"اللعب له دور حيوي في تكوين شخصية الطفل وتعليمه
ونموه واكتشافه أبعاد العلاقات الاجتماعية بين الناس"
لمرحلة الطفولة أهمية خاصة؛ كونها تشكّل الدعامة الأساسية التي يُبنى عليها مستقبل الفرد من خلال إمكانية التنبؤ بخصائص شخصيته، اعتماداً على الخبرات المبكرة في حياته، لأن الطفولة تمثل الحجر الأساس في بنية شخصية الفرد، واستقراره الانفعالي، وعلاقته الاجتماعية التي تتأثر بالبيئة، ونمط التربية التي ينشأ عليها ويترعرع مراهقاً، حتى يصبح فرداً له مكانة وقيمة في المجتمع. ومع أن اللعب يختلف من جنس إلى آخر، وبين ثقافة وأخرى وجيل وآخر، لكنه "عالمي"، بمعنى أنه مشترك بين البشر.
ويعد اللعب من أهم الأنشطة التي يمارسها الطفل فتستهويه، ومن ثم تثير تفكيره وتوسع خياله. ويسهم اللعب بدور حيوي في تكوين شخصية الطفل بأبعادها وسماتها المختلفة، وهو وسيط تربوي مهم يعمل على تعليمه ونموه، ويشبع احتياجاته، ويكشف أمامه أبعاد العلاقات الاجتماعية والتفاعلية القائمة بين الناس، وهو عامل أساس في تعليم وتنمية التفكير بأشكاله المختلفة.
إعداد للمستقبل
يعد اللعب وسيلةً لإعداد الطفل للحياة المستقبلية. وهو نشاط حر وموجه يكون على شكل حركة أو عمل يمارس فردياً أو جماعياً، ويستثمر طاقة الجسم العقلية والحركية، ويمتاز بالسرعة والخفة لارتباطه بالدوافع الفرد الداخلية، ولا يتعب صاحبه، وبه تتمثّل المعلومات جزءاً من حياته، ولا يهدف إلا إلى الاستمتاع.
فوائد اللعب وقيمته
الطفل بحاجة إلى اللعب ولا يمكن حرمانه منه بوصفه نشاطاً ضرورياً للنمو النفسي. وهو ضرورة من ضرورات مرحلة الطفولة. واللعب في الطفولة وسيط تربوي مهم يعمل على تكوين الطفل في هذه المرحلة الحاسمة من النمو الإنساني. ولا ترجع أهمية اللعب إلى الفترة الطويلة التي يقضيها الطفل في ممارسته فحسب، بل إلى أنه يسهم بدور مهم في التكوين النفسي للطفل، وتكمن فيه أسس النشاط التي تسيطر على التلميذ في حياته المدرسية.
يبدأ الطفل إشباع حاجاته عن طريق اللعب، حيث تتفتح أمامه أبعاد العلاقات الاجتماعية القائمة بين الناس، ويدرك أن الإسهام في أي نشاط يتطلب من الشخص معرفة حقوقه وواجباته، وهذا ما يعكسه في نشاط لعبه. ويتعلم الطفل عن طريق اللعب الجمعي الذاتي. واللعب مدخل أساس لنمو الطفل عقلياً ومعرفياً، وليس لنموه اجتماعياً وانفعالياً فقط؛ ففي اللعب يبدأ الطفل التعرف إلى الأشياء وتصنيفها، ويتعلم مفاهيمها، ويعمم فيما بينها على أساس لغوي، وهنا يؤدي نشاط اللعب دوراً كبيراً في النمو اللغوي للطفل وفي تكوين مهارات الاتصال لديه.
"له دور كبير في النمو اللغوي للطفل
وفي تكوين مهارات الاتصال لديه"
فوائد اللعب النفسية والتربوية
القيمة التربوية: يعرف الطفل من خلال اللعب الأشكال المختلفة والألوان والأحجام. ولا يكتسب اللعب قيمةً تربويةً إلا إذا استطعنا توجيهه على هذا الأساس؛ لأنه لا يمكننا أن نترك عملية نمو الأطفال للمصادفة، وإنما يتحقق النمو السليم للطفل بالتربية الواعية التي تضع خصائص نمو الطفل ومقومات تكوين شخصيته في نطاق نشاط تربوي له أهداف نفسية وتنموية، كنمو مهارة جمع المواد بحرص ودأب الطفل لكي يجعل منها شيئاً تعبيرياً يثير اهتمامه وشغفه، مثل الرسم الحر بالأقلام والتعبير الحر عما يراوده من أفكار في رسومه. أضف إلى ذلك نمو مهارة الإجابة عن الأسئلة الموجهة إلى الأطفال، وتكوين الجمل المفيدة والتعبير الحر المباشر عن أفكارهم، ونمو مهارة عقد علاقات قائمة على الصداقة والود مع الأطفال والكبار ممن لا يعرفونهم. لذلك فإن اللعب يحقق سلوكاً اجتماعياً ناضجاً في علاقاتهم مع الأطفال الآخرين. كما يساعد على تطور القدرة على تركيز الانتباه على الأعمال المطلوب القيام بها. واكتساب مهارات جسمية حركية والإفادة من تدريبات الألعاب الرياضية، مع تعلم الانتظام في إنجاز الأعمال والواجبات المطلوبة منهم بدقة وفي المواعيد المحددة. كذلك يؤدى إلى زيادة الحصيلة اللغوية والقدرة على التعبير عن موضوعات معينة. وهكذا نرى أن اللعب يصبح وسيطاً تربوياً إذا خضع لأهداف تربوية محددة؛ تتحقق في إطار خبرات تربوية منظمة، وفي هذه الحال يصبح للعب مدخل وظيفي لتعلم الأطفال تعلماً فعالاً؛ فمن خلال اللعب يستطيع الأطفال الاستقصاء والاكتشاف، مثل اختبار بعض النظريات، والتعرف إلى الأشكال والألوان، واكتشاف بعض النظريات، والتعرف إلى الأشكال والألوان، واكتشاف السبب والتأثير والعلاقات الاجتماعية والقيم العائلية.
القيمة الاجتماعية: يتعلم الطفل من خلال اللعب كيف يبني علاقات ناجحة مع الآخرين؛ حيث إن اللعب يساعد على نمو الطفل من الناحية الاجتماعية، ففي الألعاب الجماعية يتعلم النظام، ويؤمن بروح الجماعة واحترامها، ويدرك قيمة العمل الجماعي والمصلحة العامة. وإذا لم يمارس الطفل اللعب مع الأطفال الآخرين فإنه يصبح أنانياً ويميل إلى العدوان ويكره الآخرين، لكنه بوساطة اللعب يستطيع أن يقيم علاقات جيدة ومتوازنة معهم، وأن يحل ما يعترضه من مشكلات (ضمن الإطار الجماعي) وأن يتحرر من نزعة التمركز حول الذات.
القيمة الخلقية: حيث يتعلم الطفل من خلال أنشطة اللعب المختلفة مفهوم الخطأ والصواب والعدل والصدق. كما يسهم اللعب في تكوين النظام الأخلاقي المعنوي لشخصية الطفل؛ فمن خلاله يتعلم من الكبار معايير السلوك الخلقية؛ كالعدل والصدق والأمانة وضبط النفس والصبر. كما يتعلم القدرة على الإحساس بشعور الآخرين.
"الألعاب الجماعية وألعاب المحاكاة والمعسكرات
الصيفية تنمي الذكاء الاجتماعي لدى الطفل"
العوامل المؤثرة في اللعب:
يتخذ لعب الأطفال أشكالاً وأنماطاً متباينة؛ فالأطفال لا يلعبون بدرجة واحدة من الحيوية والنشاط. كما لا يلعب الطفل نفسه في كل وقت بشكل أو نمط واحد لا يتغير. وإذا عددنا أن اهتمامات الأطفال باللعب لها خط نمائي فليس من الضروري أن يجري لعب الأطفال بصورة مطلقة؛ إذ تتحكم فيه عوامل كثيرة متباينة ومختلفة أهمها:
- تكوين الطفل جسدياً: من المسلم به أن الطفل الصحيح جسدياً يلعب أكثر من الطفل المعتل الجسد. كما أنه يبذل جهداً ونشاطاً يفرغ من خلالهما أعظم ما لديه من طاقة.
ولا شك في أن مستوى النمو الحسي/ الحركي في سن معينة عند الطفل يلعب دوراً مهماً في تحديد أبعاد نشاط اللعب عنده. كما أن النقص في التناسق الحركي عند الطفل ينتهي به إلى صده وإعاقته عن ممارسة الألعاب التي تعتمد بصورة أساسية على التقطيع والتركيب والرسم والزخرفة والعزف. وقد كشفت الدراسات التي أُجريت على استخدام مواد من لعب الأطفال أن اللعب يتوقف إلى حد كبير على مستوى الاتساق العصبي العضلي الذي بلغه الطفل. - التكوين العقلي: يرتبط لعب الطفل منذ ولادته بمستوى ذكائه؛ فالأطفال الذين يتصفون بالنباهة والذكاء هم أكثر لعباً وأكثر نشاطاً في لعبهم من الأطفال الأقل مستوى من الذكاء والنباهة، كما يدل لعبهم على تفوق وإبداع أعظم. وتبدو الفروق الفردية بين هذين النموذجين من الأطفال واضحةً في نشاط لعبهم منذ العام الثاني؛ فسرعان ما ينتقل الطفل الأكثر ذكاءً من اللعب الحسي إلى اللعب الذي يبرز فيه عنصر الخيال والمحاكاة جلياً واضحاً عنده، ولا يتضح هذا التطور في لعب الأطفال الأقل ذكاء؛ إذ إن لعبهم يأخذ مع انقضاء الشهور والسنوات شكلاً نمطياً لا يبرز من خلاله مظهر أساس للنمو النفسجسمى لديهم.
أما بالنسبة إلى اختيار مواد اللعب وانتقائها؛ فإن الأطفال العاديين أو ذوي المستويات الأعلى في الذكاء يُظهرون تفضيلاً لمواد اللعب التي تعتمد إلى حدٍّ كبير على النشاط التركيبي بنسبة أعلى من الأطفال ذوي العقول الضعيفة. كما يهتم الأطفال العاديون والأذكياء بمواد لعبهم التي يختارونها فترة أطول. - العامل الاجتماعي الثقافي: يتأثر اللعب أيضاً بثقافة المجتمع وبما يسوده من عادات وقيم وتقاليد. كما ترث أجيال الأطفال عن الأجيال السابقة أنواعاً من الألعاب تنتشر في المجتمع وتشيع فيه؛ مثل ألعاب تقليدية تتكرر بين الأطفال في كثير من الشعوب، فقد نجد على سبيل المثال أن لعبة "الاختفاء" تنتشر لدى الأطفال في كثير من البلدان الآسيوية والأوروبية والعربية.
"في الألعاب الجماعية يتعلم النظام ويؤمن بروح الجماعة
ويحترمها ويدرك قيمة المصلحة العامة"
طرق تنمية الذكاء الاجتماعي للطفل
يلعب الذكاء الاجتماعي دوراً أساسيّاً في صقل شخصيّة الطفل ودفعهِ نحو إقامة علاقات متينة ووثيقة مع المحيطين به بعيداً عن الوقوع في المشاكل النفسيّة والفشل الدراسي، أهم هذه الطرق التي يجب أن تمارسها الأسر مع أطفالها في مرحلة الطفولة الأولى التي يتبدى فيها طرق اللعب الأولية أهمها على التوالي:
- المشاركة في الأنشطة الاجتماعيّة المُختلفة: من الضروري أن تسهم الأسرة بشكلٍ دائم في تشجيع طفلها على المشاركة في مختلف الأنشطة الاجتماعيّة التي تقام في الحي أو المدرسة، وذلك لكي تنمّي الذكاء الاجتماعي لديه، ولكي تُشجّعه على أن يكون عنصراً فعّالاً منذ مرحلة الطفولة.
- منح الطفل دور القيادة: لتساعد الأسرة على تنمية الذكاء الاجتماعي لدى طفلها؛ فإن عليها أن تمنحه دوراً قيادياً، أي أن تشجعه على قيادة بعض الأمور البسيطة في المنزل كتحميلهِ مسؤوليّة ترتيب المنزل، أو ترتيب غرفته الخاصة، والمشاركة في إعداد وجبات الطعام البسيطة في المنزل.
- تدريب الطفل على المهارات الاجتماعيّة: يجب على الأسرة معاونة الطفل على التأقلم مع مختلف الظروف التي قد يعيشها في حياتهِ وعلى تنميّة الذكاء الاجتماعي لديه. لهذا عليك أن تدرب طفلك على بعض من هذه المهارات؛ كمهارة التحدث بلباقة مع الآخرين، ومهارة التواصل الفعّال مع زملائهِ ومعلميه في المدرسة، ومهارة الاندماج مع الآخرين والقيام بالأنشطة الاجتماعيّة.
- تعويد الطفل التعبير عن مشاعره وانفعالاته: لكي ينمو الذكاء الاجتماعي لدى الطفل يجب أن تمنحهُ الأسرة الحرية ليُعبر عن مشاعرهِ بكل راحة، بعيداً عن الشعور بالخوف أو القلق، وأن تعلمه كيف يتعاطف مع الآخرين ويُساندهم عندما يحتاجون إلى المساعدة، وأن تشجعيه على المشاركة في الأنشطة الطوعية
- على الأسرة التي تسهمُ في تنميّة الذكاء الاجتماعي لدى الطفل بأن تشجعه على العمل الطوعي الملائم لقدراته، كتنظيف الحدائق العامة، وتنظيف الشواطئ، وتنظيف المدرسة والصفوف الدراسيّة.
- الصداقة لها دور فعّال في حياة الطفل وصقل الذكاء الاجتماعي لديه وتنميته، لهذا علي الأسرة تشجيع الطفل على إقامة العديد من الصداقات والمحافظة عليها مدى الحياة.
- تنمية مواهب الطفل: لتتمكن الأسرة منتنمية الذكاء الاجتماعي لدى طفلها، عليها أن تسهم في اكتشاف مواهبه وتنميها يوماً بعد يوم، وتشجعه على إظهار هذه الموهبة أمام الجميع والافتخار بها.
الألعاب التي تنمّى الذكاء الاجتماعي لدى الأطفال
- الألعاب الجماعية والتي يكون فيها تفاعل للطفل مثل ألعاب الكرة، كرة القدم أو الطائرة على سبيل المثال.
- الألعاب التربوية والتي يكون فيها مشاركة للمسابقات الشعرية وغيرها، ويكون فيها فرصة للتأهيل والمنافسة الشريفة.
- الألعاب التي يكون فيها المحاكاة والتقليد وتبادل الأدوار.
- الألعاب التي توجد في المعسكرات الصيفية فهي تعزز الثقة والاستقلالية للطفل.
ونخلص من ذلك إلى أن اللعب يعد من أهم النشاطات التي تؤثر في نمو الطفل عقلياً ومعرفياً واجتماعياً.