علاقــــة الإنســــان بالبيئــــة تعـــــود إلى بداية وجوده على الأرض، ويمكــــن للمتتبــــع لمســار تطورهــــا أن يلاحــــظ مــــدى التغــير والتبــاين الــذي آلــت إليــه هــذه العلاقــة عــبر مراحــل التطــور البشــري منــذ بــدأت الحيــاة علــى ســطح كوكبنا، ومسألة الحفاظ على البيئة تعني المجتمع ككل؛ إذ يتشارك فيها جميع الأفراد، لأنها تعبر عن سلوك تراكمي يبدأ من العائلة الصغيرة لتتبناه المؤسسات العامة الكبرى.
الناس والحيوانات والنباتات وجميع الكائنات الحية الأخرى يعتمدون على تلك الأجزاء غير الحية من البيئة للبقاء على قيد الحياة، ويتكون المحيط الحيوي من العديد من النظم والعناصر البيئية كذلك، والبيئة بعناصرها كافة تعد مهمة جداً؛ حيث إنّ جميع التغييرات التي تحدث في البيئة تؤثر في جميع الكائنات الحية.
لذا من المهم تربية الأطفال منذ نعومة أظفارهم على حب واحترام البيئة والاهتمام بالمحافظة عليها، ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق التعلم بالقدوة والنمذجة، ويتم ذلك من خلال مشاركة الأطفال بالأعمال التطوعية البيئية، مما يعزز لدى الطفل روح الانتماء والاقتداء بوالديه وغيرهم من النماذج الصالحة، حيث يقوم الأطفال بتقليد آبائهم في تعاملهم مع البيئة والمحافظة عليها. إن تعلم الاستمتاع بالطبيعة هو الخطوة الأولى للاهتمام بها كمثال؛ فإذا كان الأطفال مُحبين للسباحة مثلاً، فعلى الأب وكذلك الأم التنزه معهم على الشاطئ والحرص على تنظيفه من بعد التنزه، وأن يظهرا لهم أن هذا هو موطن الكثير من مخلوقات المحيط الجميلة، كما يمكن أن تساعده أنشطة الشاطئ المختلفة على إدراك أهمية الحفاظ على نظافة المحيط. فتعليم الأطفال طرق المحافظة على البيئة من النصائح المفيدة جداً لخلق جيل واعٍ بأهمية البيئة والحفاظ عليها .
سلوك الوالدين النموذج الأهم
أهم الطرق التي يتعلم بها الطفل في هذه المرحلة هي أن يشكل الوالدان نموذجاً حياً له، فقد وجد علماء النفس، ومنهم الكندي ألبرت باندورا، أن الطفل يتعلم بالتقليد أكثر مما يتعلم بالوسائل الأخرى.
وكلما كان النموذج إيجابياً تعلم الطفل منه السلوك الصحيح، وأطلق عليه "القدوة". فمثلاً، من خلال رؤية الطفل والديه أو المعلمين يحافظون على ممتلكاتهم الشخصية ونظافة المكان المحيط بهم، يكتسب السلوك ذاته تلقائياً، خصوصاً إذا لقي الطفل تقديراً لعمله عند قيامه بذلك.
من الواضح علمياً وعملياً أن اكتساب الأطفال السلوك السليم تجاه البيئة ينطلق أولاً من تقليد الأبوين واهتمام البيئة الأسرية بموضوعات النظافة داخل المنزل والمحيط الجغرافي الحاضن لهذه الأسرة أو تلك، ومن ثم تعميق القيم المجتمعية للأطفال داخل المدرسة من خلال تقويم سلوكهم في المحافظة على بيئة المجتمع ككل.
إن الأطفال يتمتعون في سن المدرسة الابتدائية بقدرة هائلة على التعلم. من سن عامين حتى 12 عاماً، إذ تتمتع عقولهم بمستويات غير عادية من المرونة، فيخضعون لتطور معرفي واجتماعي ولغوي وعاطفي وحركي سريع خلال هذه السنوات.
لذا يجب مشاركة الأطفال بعض الأنشطة البيئية، ويمكن أن يكون ذلك من خلال العناية بحديقة المنزل أو القيام بشراء نبتة واحدة لكي يتعلم الطفل كيفية العناية بها؛ وهي طريقة ممتعة ليتعلم الأطفال أهمية حاجة النباتات إلى الشمس والماء والتربة، واستخدام الحواس في الاستمتاع بالزهور، ويمكن مساعدة الأطفال على زراعة البذور وسقي النباتات والعناية بها؛ حيث سيدركون مفهوم الغذاء ومن أين يأتي.
"هناك برامج وتطبيقات إلكترونية وقصص
تعلم الأطفال احترام الآخرين واحترام الطبيعة"
كذلك يجب تعليم الطفل أهمية المحافظة على الطاقة الكهربائية حيث يمكن توفير ملصقات تذكر الأطفال بذلك، كما أن عليهم استخدام البرامج والتطبيقات الإلكترونية والقصص التي تعلم بها الأطفال احترام الآخرين، ويمكن تعليمهم احترام الطبيعة، وذلك من خلال استخدام القصص أو الكتب المقترحة من قبل الآباء أو بتوجيه الأطفال ومشاركتهم مشاهدة بعض البرامج والأفلام التي تدور حول البيئة.
ولعلنا يمكننا تذكير الطفل بما فعله الأطفال في مونديال "قطر 2022″ في كرة القدم بالحفاظ على البيئة؛ من خلال جمعهم للنفايات من مدرجات المشجعين والجمهور عقب انتهاء كل مباراة، كما بادر أيضا لاعبو المنتخب الياباني إلى جمع أمتعتهم في غرفة الملابس عند المغادرة. .. هذا ما رآه العالم، عندما انتشرت فيديوهات الجمهور الياباني في المونديال . لقد استلهم اليابانيون سلوكهم وعاداتهم من حبهم للطبيعة؛ تلك العادات التي تربوا عليها وتعلموها منذ الطفولة، وغالباً ما يخرجون بأنماط عيش "خضراء" من خلال تبنّي منظومة أخلاقية واعية وإيجابية مؤسسة على المعرفة العلمية تجاه البيئة العالمية.
إن "أساس تكوين السلوك يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة التي يكتسب خلالها الطفل معالم شخصيته مستقبلاً. لذا على الوالدين، أو من يقوم بدور الرعاية، الاهتمام بالطفل في هذه المرحلة ومحاولة تعليمه السلوك الإيجابي، على أكثر من صعيد، ليكون في المستقبل شخصاً فاعلاً".
وفق هذه الإستراتيجية التعلمية والتعليمية، يتوسع حضور البيئة بوصفه مشتركاً إنسانياً وكونياً لدى الأجيال، التي تمثل تطوير وعيهم وسلوكهم، ليتجاوز الأمر حدودهم الفردية نحو الحفاظ على النظام البيئي وطنياً وعالمياً.
ولتسهيل تعليم الطفل الحفاظ على البيئة، لتحقيق التنمية المستدامة يجب:
- البدء في عمر مبكر بإثارة انتباه الطفل لممتلكاته وأدواته الخاصة. فعندما يلعب الطفل بألعابه، على الوالدين تعليمه كيفية اللعب بها والحفاظ عليها من دون تكسيرها، ثم إعادتها إلى أماكنها الصحيحة.
- تحميل الطفل مسؤولية تحضير نشاطاته اليومية الروتينية، مثل: تجهيز الأدوات الخاصة بالاستحمام، من منشفة وصابون وملابس، ووضع الثياب المتّسخة في الأماكن الخاصة بها، وإعادة أدوات الاستحمام إلى أماكنها عقب الخروج من الحمام. هذا السلوك الروتيني الصغير يعكس شخصية مسؤولة مستقبلاً ومحافظة على المحيط.
- تقدير الطفل عند قيامه بأي سلوك إيجابي، ولو كان بسيطًا، لأن الطفل في حاجة إلى التقدير المستمر ليتشكل لديه السلوك الحسن، ويكون ذلك عبر الكلمة الطيبة، والتصفيق له، والدعاء، وتقديم هدية، والحضن والتقبيل.
- تصحيح السلوك الخاطئ، فعلى الوالدين أو المعلّمين تنبيه الطفل عند قيام أحد بسلوك سلبي، من رمي نفايات من نافذة السيارة، أو تكسير شيء، أو أي شيء من هذا القبيل، ومحاولة تصحيحه، ليتعلم الطفل دوره الإيجابي الفاعل لبناء المجتمع.
"تكوين السلوك يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة
التي يكتسب خلالها الطفل معالم شخصيته"
المدرسة وترسيخ التربية البيئية
مع تزايد حدة المشكلات البيئية وتفاقمها وازدياد آثارها السلبية في البشرية ككل برزت صحوة إنسانية واضحة تجلت في اهتمام أغلب الدول والهيئات العالمية بالبحث عن السبل والقوانين الكفيلة بالتخفيف من آثارها، من خلال عقد العديد من الندوات والمؤتمرات العالمية.
في مؤتمر استوكهولم الدولي للبيئة، الذي يعد من أهم المؤتمرات في هذا المجال، دعت أهم توصياته إلى ضرورة المحافظة على البيئة والحد من استنزافها بالتركيز على وضع برنامج توعوي يستهدف توجيه سلوك الأطفال توجيهاً بيئياً سليماً؛ للحد من تفاعلاتهم السلبية مع البيئة. لذا سارعت العديد من دول العالم إلى تبنّي سياسات تربوية سريعة بعدما أدركت أن القوانين والتشريعات البيئية وتوفير الوسائل والأموال وتطوير التكنولوجيا غير كافية لتجاوز وتقليل حدة آثار المشكلات البيئية، وإيجاد الحلول الممكنة لها، وضمان تعليم الطفل ضرورة بقاء الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، ومن ثم ضمان بقاء الاستقرار البيئي المستدام، ويكون هذا بحسن إعداد الطفل وتربيته تربية سليمة تتلاءم ومقتضيات المحافظة على البيئة وصيانتها.
تعد المنظومة التربوية الوسيلة الأنسب لإعداد الطفل المتفهم والمدرك لطبيعتها والواعي بما يواجهها من مشكلات وأخطار، حتى يكون هو العنصر الفاعل فيها والمساهم في تحسين إطار بيئته وتحقيق التنمية المستدامة، وهذا اعتمادا على مؤسساتنا التربوية وفي مقدمتها المدرسة الابتدائية، باعتبارها مؤسسة نظامية لها دور مهم في تنشئة الأفراد وصقل قدراتهم وتوجيههم بيئياً عن طريق إيجاد أوساط مدرسية ملائمة لتشكيل مدركات الأفراد ومفاهيمهم البيئية ووعيهم بمحيطهم البيئي بمختلف مكوناته، وذلك عبر تفعيل منهاج الخدمة الاجتماعية لحماية البيئة من التلوث.
ويعتبر الوسط المدرسي من أهم البيئات التربوية النظامية التي تسهم في عمليات التنشئة الاجتماعية للأفراد بهدف إعدادهم إعداداً سليماً متكاملاً في مختلف الجوانب الاجتماعية والمعرفية والبيئية، وتهيئهم للإسهام في عمليات التنمية الشاملة مستقبلاً، حيث تمثل التربية البيئية المدرسية جزءاً من الأهداف التعليمية العامة التي يجب أن تسعى المنظومة التربوية إلى تحقيقها، انطلاقاً من الحاجة الملحة إلى إيجاد أساليب وحلول تربوية لإعادة تنظيم علاقات الأفراد ببيئاتهم.
وبناءً على ذلك يجب التركيز على دور الوسط المدرسي في ترسيخ أبعاد التربية البيئية؛ من خلال أبرز مكوناته المتمثلة في الإدارة المدرسية والمعلم والنشاط المدرسي؛ فدور الوسط المدرسي في ترسيخ أبعاد التربية البيئية لتلاميذ الصفين الثاني والثالث الابتدائي، ودور الإدارة المدرسية هنا هو ترسيخ المعارف البيئية لتلاميذ هذين الصفين تحديداً، كما أن دور المعلم في ترسيخ القيم البيئية للتلاميذ أمر غاية في الأهمية.
إن دور الأنشطة البيئية في ترسيخ المهارات البيئية لتلاميذ الصفوف الابتدائية تتواصل الدراسات في شأنه؛ حيث توصلت إحداها إلى عدة نتائج جزئية، من خلالها تمت الإجابة عن التساؤل الرئيس للدراسة؛ وهو أن الوسط المدرسي يسهم بقدر محدود في ترسيخ أبعاد التربية البيئية لتلاميذ الصفين الثاني والثالث من التعليم الابتدائي؛ حيث اتضح أن دور الإدارة المدرسية في ترسيخ المعارف البيئية للتلاميذ نسبي نوعاً ما. كما تبين أن دور المعلم في ترسيخ القيم البيئية للتلاميذ في الصفين الثاني والثالث من المرحلة الابتدائية مقبول إلى حد ما رغم العراقيل الإدارية، حيث أسهم نسبياً في توجيه التلاميذ إلى أهمية تقدير العناصر البيئية والمحافظة عليها وإكسابهم القيم البيئية. وتبين أن دور الأنشطة البيئية في ترسيخ المهارات البيئية للتلاميذ محدود؛ نظراً إلى قلة الممارسات البيئية.