"التوسع في تقنيات المعلومات والاتصالات
تسبب في تعديل كبير
في وسائل الإعلام وعلاقتها بالمستخدمين"
لقد دعا باحثون إلى مزيد من البحث على وجه التحديد، لفحص وتحليل التباينات في المحتوى، لتقييم الجودة، مقابل كمية الاستهلاك، وذلك عبر تنسيقات الوسائط؛ فقد أدت الرقمنة، والتوسع في تقنيات المعلومات والاتصالات، في بداية القرن الحادي والعشرين، إلى تعديل كبير في وسائل الإعلام وعلاقتها بالمستخدمين؛ ما أدى إلى تعديل المبادئ الأساسية للتعليم الإعلامي بشكل منطقي، وذلك بتدريب المواطنين بوصفهم مستهلكين مسؤولين في بيئات افتراضية ومُختلَطة، حيث يتضمن التعليم الإعلامي حالياً، ظواهر مثل الشبكات الاجتماعية، والمجتمعات الافتراضية، والبيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وما إلى ذلك. وبما أنَّ جميع مجالات الحياة اليوم تتأثر بشكل متزايد بوسائل الإعلام، وبخاصة الوسائط الرقمية، التي تلعب دوراً مهماً في ثقافة الأطفال على وجه التحديد، وتكوين محتواهم النفسي والسلوكي، فإن مساعدة الأطفال على تصفح الإنترنت بأمان صارت ضرورة عملية، وذلك بتعلُّم ما يسمى بـ "محو الأمية الإعلامية".
يعد تعليم "محو الأمية الإعلامية" Media Literacy نموذجاً تعليمياً قائماً على الاستقصاء، يعمل على طرح أسئلة حول ما يشاهده المطلعون ويسمعونه ويقرؤونه، حيث يقوم بفحص المزيد من المصادر المعاصرة، مثل التلفزيون وألعاب الفيديو والصور والرسائل الصوتية، وذلك بتوفير أدوات لمساعدة الأشخاص على تحليل الرسائل الإعلامية بشكل نقديّ، وقد تشمل التحليلات النقدية تحديد المؤلف والغرض من المحتوى ووجهة النظر فيها، كما أنَّ من أهداف التربية الإعلامية مساعدة الأفراد من جميع الأعمار على تطوير عادات الاستفسار، ومهارات التعبير التي يحتاجون إليها، ليكونوا مفكرين نقديين ومتصلين فعالين ومواطنين نشطين في عالم اليوم".
ويهتم العلماء والباحثون في هذا المجال، ببدء تعلُّم "محو الأمية الإعلامية" في مرحلة الطفولة المبكرة، من خلال تطوير علم أصول التدريس حول التفكير النقدي والتحليل الأعمق والتساؤل حول المفاهيم والنصوص، ويكون بذلك مع تقدم الطلاب في العمر ودخولهم سن الرشد. استخدام هذا التعليم مفيد في تحديد المعايير الأخلاقية والتقنية في وسائل الإعلام، وكذلك فهم كيفية ارتباط وسائل الإعلام باحتياجاتهم المعرفية والاجتماعية والعاطفية، كما أنَّه من الممكن للمثقفين إعلامياً، فيما بعد، إنشاء وإنتاج رسائل إعلامية بمهارة، لإظهار فهم الصفات المحددة لكل وسيلة، وذلك لإنشاء وسائل الإعلام والمشاركة بوصفهم مواطنين فاعلين.
وبهذا التعليم يكتسب الناس - بدءاً من طفولتهم - وعياً أكبر بإمكانية التحريف والتلاعب، بل إنَّه يعتبر طريقة جادة لمعالجة الأبعاد السلبية لوسائل الإعلام، بما في ذلك التلاعب بتلك الوسائل، واستخدام المعلومات المُضلِّلة، والصور النمطية والعنف بين الجنسين والعنصرية، وإضفاء الطابع الجنسي على الأطفال، وممارسة التطفل والتنمر عبر الإنترنت. كما قد يوفر التثقيف الإعلامي نوعاً من الحماية للأطفال من خلال مساعدتهم على اتخاذ خيارات جيدة في عاداتهم الاستهلاكية وأنماط استخدامهم للوسائط.
"محو الأمية الإعلامية" يقوم على الاستقصاء
ويطرح أسئلة حول ما يشاهده
المطلعون ويسمعونه ويقرؤونه
كذلك يجادل أنصار التثقيف الإعلامي بأنَّ تضمين محو الأمية الإعلامية في المناهج المدرسية، يعزِّز المشاركة المدنية، ويزيد من الوعي بهياكل السلطة المتأصلة في وسائل الإعلام الشعبية، ويساعد الطلاب على اكتساب المهارات النقدية والاستقصائية الضرورية، وبينما من الوارد أن يكون لوسائل الإعلام تأثير إيجابي أو سلبي في المجتمع؛ فإنَّه من المؤكد أنَّ التربية الإعلامية تُمكِّن الطلاب من تمييز المخاطر التي لا مفر منها، للتلاعب والدعاية والتحيز الإعلامي. وقد أثبتت الدراسات والمتابعات أنَّ تدخلات محو الأمية الإعلامية لها آثار إيجابية في المعرفة والنقد والواقعية المُتصوَّرة، والتأثير والمعتقدات السلوكية، والمواقف والكفاءة الذاتية والسلوك.
ويركز تعليم "محو الأمية الإعلامية" بنشاط على الأساليب التعليمية لتطبيق هذا المنهج بطُرُق تدريسية مختلفة، ودمج الأُطر النظرية والنقدية الناشئة عن نظرية التعلم البنائية، والدراسات الإعلامية، ومنح الدراسات الثقافية. وقد نشأ هذا العمل من إرث استخدام الوسائط والتكنولوجيا في التعليم طوال القرن العشرين، وظهور العمل متعدد التخصصات في تقاطعات الدراسات الإعلامية والتعليم.
المنظمة الرائدة:
تُعَد أقدم منظمة تُدرِّس "محو الأمية الإعلامية"، هي المجلس الوطني للإعلام عن بعد، ومقره "ماديسون ويسكونسن" الأمريكية بقيادة "ماريلي رو" لأكثر من 50 عاماً، ومن أهم اللقاءات العلمية والعملية في دعم ومناقشة هذا التعليم، هو مشروع "أصوات محو الأمية الإعلامية"، الذي تم من خلال مركز "محو الأمية الإعلامية"، برعاية "تيسا جولز". قدم المشروع سياقاً تاريخياً لظهور الثقافة الإعلامية لدى الأفراد، الذين ساعدوا على التأثير في هذا المجال، حيث أُجريَت مقابلات شخصية مع 20 من رواد محو الأمية الإعلامية النشطين، قبل التسعينيات في البلدان الناطقة باللغة الإنجليزية.
وفي السنوات الأخيرة أدت مجموعة متنوعة من مبادرات التثقيف الإعلامي إلى زيادة التعاون في أوروبا وأمريكا الشمالية، وتشكّل العديد من العوامل الثقافية والاجتماعية والسياسية، كيف يُعتقد أنَّ مبادرات التثقيف الإعلامي مهمة، و"Mind Over Media" هو مثال على التعاون الدولي في تعليم محو الأمية الإعلامية، وهو منصة تعليمية رقمية تعتمد على أمثلة التعهيد الجماعي للدعاية المعاصرة، التي يشاركها المعلمون والمتعلمون من جميع أنحاء العالم، أما بالنسبة إلى المعلمين الذين يطورون برامج "محو الأمية الإعلامية"، أصبحت دراسة الدعاية ذات أهمية متزايدة، بخاصة مع ظهور الأخبار الزائفة والمعلومات المضلِّلة، وعلى الرغم من أنَّ التقدم في جميع أنحاء العالم غير متكافئ، فإنَّ جميع المستجيبين قد أدركوا أهمية التثقيف الإعلامي، فضلاً عن الحاجة إلى الاعتراف الرسمي من حكومتهم وصانعي السياسات.
مكوّنات:
تؤكِّد برامج محو الأمية الإعلامية هذه المكونات:
"التفكير النقدي": وذلك بفهم كيفية عمل صناعة الإعلام، وكيفية تكوين الرسائل الإعلامية، والتساؤل عن دوافع منتجي المحتوى من أجل اتخاذ خيارات مستنيرة حول اختيار المحتوى واستخدامه"، "التعرف إلى الأنواع المختلفة لمحتوى الوسائط وتقييم المحتوى، للتأكد من صحته وموثوقيته وقيمته"، "التعرف إلى مخاطر الأمان والسلامة عبر الإنترنت وإدارتها".
"الإبداع": وذلك بتطوير الكفاءات من خلال الأنشطة، التي تتضمن إنشاء وبناء وإنشاء محتوى إعلامي، والذي غالباً ما يتم من خلال التعاون.
"الحوار بين الثقافات": وذلك بممارسات الاتصال البشري والتعاطف والتفاعل الاجتماعي، بما في ذلك، تلك التي تتحدى التطرف والتطرف العنيف وخطاب الكراهية.
"المشاركة والمشاركة المدنية": وذلك بالمشاركة الفعَّالة في الجوانب الاقتصادية، والاجتماعية والإبداعية والثقافية للمجتمع، باستخدام وسائل الإعلام بطرق تُعزِّز المشاركة الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية.
"محو الأمية الإعلامية" يساعد الأطفال على التحكُم
المناسب لوعيهم وأعمارهم العقلية والنفسية
والتعامل مع التكنولوجيا بإدراك وتمييز
دعم مستمر:
مازال هذا النوع من التعليم يحظى بدعم العلماء والباحثين من مجالات مختلفة، فعلى سبيل المثال، نجد أنَّ باحثة مثل "رينيه هوبز"، الأستاذة في جامعة "رود آيلاند"، تدعو إلى زيادة الاهتمام باستراتيجيات محو الأمية الرقمية والإعلامية، كما أكدَّت "سونيا ليفينجستون"، أستاذة علم النفس الاجتماعي ورئيسة قسم الإعلام والاتصالات في كلية لندن للاقتصاد، ومعاونتها منذ فترة طويلة، أنَّ تنسيقات الشاشة أصبحت ذات أهمية متزايدة في التعليم والعمل والترفيه، وحتى أشكال التفاعل والمشاركة. ويشير هؤلاء العلماء إلى أنَّه، كما أنَّ للإعلام وتعلُّم الكمبيوتر أهمية كبيرة، ووصفها بأنها "ضرورية لاكتساب المهارات اللازمة"، ومن الضروري أن يتعلموا: "كيفية تشغيل التكنولوجيا لدمج الكمبيوتر في حياتهم العملية والترفيهية، إلا أنَّهم يواصلون القول، بأنَّه من احتياجات الأطفال الضرورية أيضاً إلى تعليمهم في المدارس: كيفية "التعامل مع عمليات البحث عن المعلومات، وكيفية إدارة هذه المعلومات، بما في ذلك الحمل الزائد المحتمل للمعلومات"، وكذلك "كيفية التقييم النقدي، وتقييم القيمة النسبية للمعلومات من مصادر مختلفة"، "وكيفية اكتساب القدرات على فهم البناء والأشكال المُقدَّمة، ونقاط القوة والقيود للمحتويات القائمة على الشاشة، بما في ذلك تطوير مهاراتهم الإبداعية المتعلقة بالشاشة".
وبهذا يكون التطبيق المُحترف والعملي لتثقيف الأطفال إعلامياً، وإمدادهم بمناهج عملية لتعليم "محو الأمية الإعلامية"، فإنَّ الأطفال يكونون على قدر من اليقظة الذهنية، والتحكُم المناسب لوعيهم وأعمارهم العقلية والنفسية؛ للتعامل مع التكنولوجيا بقدر من الإدراك والتمييز. وبهذا تكون قد تمت مساعدتهم بإحدى السُبُل الواقعية، للتعامل مع هذا الطوفان المعلوماتي، الذي يُحيط بأفكارهم وعواطفهم في هذا العصر، والذي هو قادر على تشكيل أنماط شخصياتهم وسلوكياتهم، وجعلهم على ما سيكونون عليه في المستقبل، جنباً إلى جنب من العوامل الثقافية الأخرى، من البيئة المحيطة والتنشئة الأسرية، ولهذا فإنَّ تعليم "محو الأمية الإعلامية" ضروري للغاية ليتثقف به الكبار أيضاً، لدورهم المهم في ثقافة الأطفال، ولتأثرهم هم أيضاً، بمخاطر وسائل الإعلام، وتلك الثقافة التكنولوجية.