"أطفال العصر الحالي "مواطنون رقميون"،
و"متحدثون أصليون" للغة الرقمية"
يوسم أطفال العصر الحالي بأنهم "مواطنون رقميون"، إنهم "متحدثون أصليون" للغة الرقمية، وبارعون في استخدام أجهزة الكمبيوتر، وألعاب الفيديو، والإنترنت، على العكس من "المهاجرين الرقميين"، إن جاز هذا التعبير، الذين عاشوا في عصر ما قبل الرقمنة، وعليه فإن كون أطفال هذا الجيل مواطنين رقميين لا يُعد بالضرورة امتيازًا، بل في كثير من الأحيان يضع أمامهم الفخاخ والعوائق، فلا يمكن للأطفال الذين يولدون في هذا العالم المطالبة بالوجود خارجه. لذا توسم التكنولوجيا بأنها "الجاني" في روايات اضطراب علاقة الطفل بالطبيعة، وهذا ليس مفاجئاً؛ فالممارسات القائمة على الشاشة، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - مشاهدة التلفاز، وألعاب الفيديو، والانغماس في العالم الافتراضي، وغيرها، يُنظر إليها على أنها تخفض الوقت الذي يقضيه في الطبيعة، وتحل محل مناشط تدعيم وحدة الطفل والطبيعة، مثل اللعب في الهواء الطلق، والاستمتاع بالمساحات الخضراء، ورعاية الكائنات غير البشرية. ومن هذا المنظور، تُعد التكنولوجيا أحد العوامل التي تعطل العلاقة بين الطفل والطبيعة. ويُنظر إلى "الطبيعة" و"الشاشة" على أنها تتنافس على وقت الطفل في مجتمعات تعاني من فقر الوقت بشكل متزايد. وفيما يأتي نقدّم توضيحًا لمفهومي "وقت الشاشة" و"الوقت الأخضر". | |
يُعتقد أن أطفال اليوم هم جيل تنحدر أصوله من عالم رقمي، فهل هذا يعني أنهم أيضًا جيل فقد صلته بالطبيعة؟
أهمية الوقت الأخضر في تدعيم صلة الطفل بالطبيعة
قد ينخرط الأطفال من خلفيات اجتماعية واقتصادية متباينة في مستويات أعلى من وقت الشاشة، ويكون لديهم وصول أقل إلى الطبيعة في أحيائهم؛ لذا يُعد "الوقت الأخضر" أفضل من "وقت الشاشة" في تقوية صلة الطفل بالطبيعة وفيما يأتي تفصيل:زيادة قدرة الطفل على فهم الطبيعة وفهم ذاته؛ بوصفه جزءاً صغيراً من الطبيعة.
تنمية "الذات بحجم الأرض" من خلال فهم أنه لا يمكن الفصل بين الذات، وبين العالم غير البشري.
اتّساع الهوية الذاتية لتشمل التواصل والتعاطف مع جميع الكائنات، والمحيط الحيوي ككل.
إعادة تشكيل فهم الطفل لمكانته في الطبيعة، ومسؤوليته تجاه الطبيعة، وتقليل أضرار الوسائط التكنولوجية في مقابل الاستفادة الكاملة من الشفاء بالطبيعة.
الطبيعة مورد للصحة النفسية غير مستغل بشكل كافٍ، يُسهم في تحقيق الرفاهية النفسية للأطفال في عصر التقدم التكنولوجي.
الوسائط التكنولوجية تتطلب المشاركة من خلال المشاهدة وحدها، إلا أن الطبيعة تنمّي الإبداع لدى الطفل من خلال المطالبة بالتصور والاستخدام الكامل للحواس.
الوقت الأخضر قد يخفف من عواقب قضاء وقت طويل أمام الشاشات.
الحفاظ على الطفولة في المجتمعات المعاصرة، حيث إنها تدهورت وصارت سامة من خلال تأثيرات "الثقافة القائمة على الشاشة، وتدعيم الطفولة المثالية - التى تُعرف بأنها وقت للخير والترفيه والتواصل مع الطبيعة- من خلال العيش في سلام في العالم الطبيعي.
أطفال يمارسون رياضة الجري في إحدى الغابات، ويضعون سماعات الهاتف المحمول، وسماعات الرأس غير راغبين في الاستماع إلى أصوات الطبيعة، لا يمكنهم التواصل مع الطبيعة؛ لذا آثروا الاستعانة بالوسائط التكنولوجية لقضاء وقتهم.
التأثيرات النفسية والعقلية لزيادة الوقت الأخضر في مقابل وقت الشاشة
مع الدمج الواسع النطاق للتكنولوجيات الرقمية في المناهج المدرسية، لم تعد التكنولوجيا مقتصرةً على الاستخدام الترفيهي؛ ما يجعلها جزءًا لا مفر منه من حياة الأطفال؛ ما يتطلب زيادة الوقت الأخضر نظرًا إلى ثماره الإيجابية على الأداء النفسي، والعقلي، والأكاديمي، وفيما يأتي تفصيل لهذه المنافع:
تزداد فوائد البيئات الطبيعية من خلال زيادة النشاط البدني، والعلاقات الاجتماعية، والسلوك الاجتماعي الإيجابي الذي ينمو في المساحات الخضراء، مثل الحدائق.
تميل المناطق الطبيعية إلى أن تكون أقل ازدحامًا، مع انخفاض تلوث الهواء والضوضاء، وهو أمر مفيد للصحة العامة.
الوقت الذي يقضيه الأطفال في التعرض لأشعة الشمس الطبيعية يساعد على تنظيم الساعة البيولوجية، وتحسين دورات النوم والاستيقاظ الصحية؛ ما يحسن الرفاهية النفسية.
توفر الطبيعة الفرصة للاختلاط بالآخرين من خلال الرياضات الجماعية والألعاب والاستكشاف، والتى تُعد فرصاً ثرية لزيادة النموالمعرفي، واللغوى، والصحة النفسية.
إن التعرض للمساحات الخضراء يمنح الأطفال تعرضًا أفضل لالتقاط الأشياء من التربة، حيث احتواؤها على مركبات ميكروبية في التربة تقلل من التوتر والقلق.
انخراط الأطفال في أنشطة ذات صلة بالطبيعة يعالج العديد من المشكلات السلوكية؛ من بينها القلق، والخوف، والأنانية، والغضب، والعدوان، وغيرها.
تؤدي التقنيات المعتمدة على الشاشة إلى ضعف وتشتت الانتباه لاسيما الانتباه المباشر، إلا أن البيئات الطبيعية تقوّي الانتباه اللاإرادي، وهو أمر غير متعب.
"السلوك الاجتماعي الإيجابي ينمو في المساحات الخضراء والحدائق"
أنشطة أسرية لتدعيم صلة الطفل بالطبيعة ومسؤوليته تجاهها
عزيزي الأب، عزيزتي الأم؛ إليكما عدداً من الأنشطة التي تعينكم على زيادة الوقت الأخضر لدى أطفالكم:
- شجّع طفلك على ممارسة هواية الغطس قبل أن يصبح الجو باردًا جدًا.
- اصطحبه إلى أحد الأماكن الزراعية؛ لتذوّق ثمار الموسم الجديد.
- شاركه جمع أوراق الخريف المتساقطة، وصنع تاج الطبيعة.
- شجّعه على ركوب دراجته والانطلاق في رحلة عائلية؛ حيث إن لذلك فوائد عدة من بينها: اللياقة البدنية، وتطوير استراتيجيات وسلوكيات المخاطرة والمكافأة.
- اطلب إليه المشاركة في التخييم، وشجعه على اللعب غير المنظم في الهواء الطلق.
- ساعده على صنع طائرة ورقية، ووجهه لإلى تطييرها، حيث يساعد الطقس العاصف على تحليق الطائرات الورقية.
- شاركه تصميم دفتر لكنوز الطبيعة، يحتوي على أوراق الشجر أو الزهور، وساعده على كتابة أو رسم ملاحظاته؛ كي يتذكر موعد ومكان العثور عليها.
- مرّنه على ممارسة المشي تحت المطر، واستشعر كيف يبدو المطر، وملمسه، ورائحته.
- مرّنه على زراعة الخضروات والفاكهة والزهور.
- اصطحب أطفالك في جولة على الأقدام في بعض مسارات المشي الرائعة المناسبة.
"التعرض لأشعة الشمس يساعد على تنظيم الساعة البيولوجية
ويحسن دورات النوم والاستيقاظ فيحقق الرفاهية النفسية"
الممارسات التدريسية ذات الصلة بالتعلم المتمركز حول الطبيعة
عزيزي المعلم، عزيزتي المعلمة؛ إليكما عدداً من الممارسات التى تعينكم على التدريس؛ استنادًا إلى مدخل التعلم المتمركز حول الطبيعة:
- زيارة أماكن محلية تتعرض لآثار تغيّر المناخ لملاحظة تأثيرات تغير المناخ عن كثب.
- القراءة الإثرائية حول الطبيعة بالاعتماد على المجلات البيئية، والأحداث الجارية.
- إتاحة الفرصة للأطفال لاختيار مكان واحد لملاحظته وتأمله – بحب- والعودة إليه مرة على الأقل أسبوعيًا، في أوقات مختلفة وفي طقس مختلف، ليراقبوا عن كثب، ويوثقوا التغييرات، ويدونوا ملاحظاتهم.
- إتاحة الفرصة للطلاب لتقييم بصمتهم الكربونية الشخصية.
- التحول إلى جعل علاقة الطفل بالطبيعة في مركز عملية التعلم، وتحويل تدريس الموضوعات البيئية من إعلاء العقل المنطقي في مجابهة المشكلات البيئية إلى تنمية الشعور بالطبيعة بوصفها مكاناً للمعرفة والتواصل؛ استناذًا إلى أن الأطفال لديهم استعداد فطري للتواصل عاطفيًا مع الكائنات الحية غير البشرية.
- "مسيرة الطبيعة الأبجدية" من خلال توزيع ورقة عمل تحتوي على الحروف الأبجدية – العربية أو غير العربية - واطلب إلى الأطفال كتابة أو رسم أشياء من الطبيعة شاهَدوها في أثناء مسيرتهم.
- التدريس في الهواء الطلق؛ ما يعزز الفضول الطبيعي لدى الأطفال والإبداع والتفكير النقدي، كما تدعم نتائج تعلم العلوم والتكنولوجيا والرياضيات والكتابة والتعلم الاجتماعي الوجداني.
- قيادة مشروعات إنشاء مساحات للعب في الطبيعة والمشاركة فيها، فهي لا تتطلب ميزانية ضخمة، حيث يمكن بناؤها اعتمادًا على مواد متاحة بالبيئة يُعاد تدويرها (الإطارات، والخشب، والحبال،... وغيرها) مع ضرورة الانتباه إلى معايير الأمن والسلامة؛ فممارسة اللعب في الطبيعة والانتشار في منطقة اللعب يسفر عنه مشكلات سلوكية أقل في أثناء فترات الاستراحة.
"شجّع ابنك على ركوب دراجته في رحلة عائلية تحقق له
اللياقة البدنية وتطوير استراتيجيات وسلوكيات المخاطرة والمكافأة"
وفي الختام إن انغماس الأطفال في التحديق في شاشات الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، يُعد أحد مسببات اضطراب تواصل الطفل مع الطبيعة والذي يستتبعه انخفاض في جودة حياة الطفل، وتأثيرات سلبية غاية في الخطورة في صحته البدنية، والعقلية، والنفسية؛ لذا يجب علينا الانتباه إلى أهمية غمر الأطفال في الطبيعة من خلال توظيف أوقات فراغهم، والتحول إلى التعلم المتمركز حول الطبيعة؛ حيث إنه يُحسن صحتهم العقلية، ويوقظ حواسهم، ويُسهم في تفوقهم الأكاديمي، كما يُحقق السوية النفسية، وينمي التواصل والتعاطف مع الكائنات البشرية وغير البشرية.