دراسة أمريكية: 66% من الأطفال الأمريكيين
دون سن الثامنة استخدموا الهواتف الذكية
والحواسيب المحمولة واللوحية
وقد أوضح تقرير يونيسيف "حال الأطفال لعام 2017" أن الأطفال والمراهقين يمثلون ثلث مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم، وأن الشباب ما بين 15 و24 سنة هم الفئة العمرية الأكثر وصولاً إلى الإنترنت. (UNICEF, 2017, p.6) ومن ثم فإن سؤالاً يطرح نفسه: ما فوائد استخدام الطفل للتكنولوجيا وما أضراراه؟ وكيف نتعامل مع إدمان الطفل للتكنولوجيا؟ وهذا ما سنجيب عنه في السطور الآتية.
هناك العديد من الفوائد لاستخدام الطفل للتكنولوجيا الحديثة؛ كشغل وقت فراغ الطفل في أنشطة متنوعة ومسلية، وإثراء لغة الأطفال بكثير من المصطلحات والمفاهيم المرتبطة باستخدام التكنولوجيا واللغة الأجنبية، كما أوضحت كثير من الدراسات أن الأطفال الأقل من عمر سنتين ونصف السنة يمكنهم التعلم من التفاعل المباشر أكثر من خلال التلفزيون أو الفيديوهات المصورة، وأن استخدام بعض التطبيقات والبرامج الخاصة بالهواتف الذكية، مثل الكتب الإلكترونية الناطقة، قد أسهم في تعلم الطفل من عمر سنتين ونصف السنة حتى خمس سنوات طرق النطق بشكل سليم ومحبب إليه شكل جذاب ومشوّق، وتعلم الطفل بشكل أسرع. وأن بعض البرامج يمكن أن تساعد الأطفال على التغلب على صعوبات التعلم التي يواجهونها وتطور المهارات التي يفتقدونها، وأن شبكة الإنترنت تمنح الطفل مساحة حقيقية لزيادة ثقته بنفسه، وهو أمر قد لا يكون ممكن الحصول داخل البيت أو في المدرسة.
يونيسيف: الأطفال والمراهقون يمثلون ثلث
مستخدمي الإنترنت على مستوى العالم
لكن الإفراط في استخدام التكنولوجيا الحديث يحمل أيضاً في المقابل العديد من المخاطر التي تتطلب من كل الأمهات والآباء والمعلمات التنبه لها، فاستخدام الأطفال للهواتف المحمولة في فترة ما قبل المدرسة قد يسبب خللاً فى نموهم الاجتماعي والانفعالي، ويؤثر في تفاعلهم النفسي مع أقرانهم، لأنها تؤثر في عملية انتباه الأطفال وسلوكهم بشكلٍ شبه آلي. وقد أوضحت دراسة أنه كلما زاد وقت الطفل المنقضي أمام شاشات التلفزيون أو الحاسب قل نمو الطفل الإدراكي؛ حيث يفتقد التفسير المباشر لمعاني الأشياء. وبعض الباحثين يشيرون إلى أن أجهزة المحمول والكمبيوتر المحمول وغيرها قد تؤدى - على العكس مما يتوقعه الآباء والأمهات - إلى تقليل الابتكار والذكاء لدى الطفل، واعتياده الإجابات الجاهزة بمجرد الضغط على لوحة المفاتيح أو الشاشة التفاعلية، كما تحد من تفكير الطفل بصورة منهجية في حل المشكلات، كما قد تؤدي إلى عزوفه عن ممارسة الرياضة؛ مما يؤثر في نموه الجسمي والانفعالي، فغالبية البرامج والتطبيقات والألعاب قد تؤدي به إلى إدمانها والانعزال عن عالمه الواقعي والاجتماعي المحيط به، واندماجه في عالمٍ خياليّ افتراضيّ.
عوامل إدمان الطفل للتكنولوجيا وأضراره
لقد انشغل علماء النفس مؤخراً بما يطلق عليه "إدمان التكنولوجيا"، تلك الحالة التي يجلس فيها الفرد بالساعات بصورة مستمرة من دون انقطاع أمام شاشات الحاسوب أو الهاتف النقال لفترات تتجاوز المعدلات الطبيعية؛ مما يؤثر سلباً في تفاعلاته الاجتماعية وممارسة أنشطته الحياتية، وفي صحته النفسية والجسدية، وقد يؤدي إلى حدوث حالات الاكتئاب والتوحد السلوكي والعزلة الاجتماعية، وعدم القدرة على التفاعل مع الآخرين والتواصل معهم، إضافةً إلى ما يصيب العمود الفقري والرقبة، والعينين، والجهاز العصبي من أضرار، وزيادة انتشار البدانة والسمنة بين الأطفال نتيجة قلة الحركة.
و"الإدمان السلوكي" هو نسق يدفع الفرد إلى تحقيق سلوك معين بهدف استعادة تأثيراته النفسية أو لتجنب الانزعاج الذي سببه الحرمان منه. وتشمل الإدمانات السلوكية القمار وألعاب الرهان على المال، وألعاب الفيديو الإلكترونية، وإدمان الشبكات الاجتماعية، وإدمان الهاتف المحمول ومختلف تطبيقاته التي توفر مجالات متنوعة للإدمان... إلخ. ويتميز الإدمان السلوكي بفقدان الفرد قدرته على ضبط السلوكات المتطرفة، وانعكاس هذه الإدمانات سلبًا على صحته الفيزيقية أو النفسية، وحياته العائلية والاجتماعية، والشعور الذاتي بالاستلاب وإحساس الفرد بأنه ضحية. (أحمد أبو زيد، 2014)
وتعد عالمة النفس الأمريكية كيمبرلي يونغ Kimberly Young، أول من وضع مصطلح "إدمان الإنترنت" Internet Addiction الذي عرّفته بأنه استخدام الإنترنت أكثر من 38 ساعة أسبوعياً. (كريستين نصار، 2014)
وقد كشفت دراسات حديثة، قامت بها هذا العام منظمة Common Sense Media على ما يقرب من 1300 من الآباء والأمهات والأطفال، أن 59% من الآباء يعتقدون أن أبناءهم هم المدمنون على استخدام التكنولوجيا الحديثة، بينما يعتقد 50% من الأبناء العكس . (Common Sense Media, 2016)
وقد أظهرت الدراسة التي أجرتها مجموعة "سوبيريور" للاستشارات إلى أن نسبة 59% من الأطفال في منطقة الشرق الأوسط لديهم حالة تعرف بـ "النوموفوبيا" Nomophobia وهو الشعور بالخوف من فقدان الهاتف المحمول أو السير من دونه.
وأوضح "روبرت لوستيج" أستاذ طب الأطفال بجامعة جنوب كاليفورنيا في كتابه "اختراق العقل الأمريكي" أن التكنولوجيا في حد ذاتها ليست من العقاقير المخدرة، لكنها تؤثر بالطريقة ذاتها وتؤدي إلى النتائج نفسها؛ فقد وجد لوستيج أن الدماغ يستجيب للتكنولوجيا بالطريقة نفسها التى يستجيب بها للمواد الأخرى التي تسبب الإدمان. وكان الطبيب النفسي الأميركي ايفان غولدبرغ أول من نبه في عام 1995 إلى مشكلة إدمان استخدام التكنولوجيا؛ حيث كشفت أبحاث علماء المخ والأعصاب أن استخدام التكنولوجيا يؤثر في مناطق معينة بالمخ تؤدي بدورها إلى زيادة مستوى الدوبامين، مما يؤدي إلى شعور الفرد بالسعادة، وهكذا حتى يعتاد الفرد تلك المستويات الهائلة من الدوبامين، فاستخدام التكنولوجيا يزيد مستوى الدوبامين بنسبة من 50 إلى 100 في المئة، في حين تزيد المخدرات مثلا من مستوى الدوبامين في الدم بنسبة من 350 إلى 1200 في المئة. ويشبه إدمان التكنولوجيا حالة إدمان ممارسة القمار، التي تحقق السعادة لدى الشخص المدمن. لذلك ليس غريباً أن نجد من يجلس أمام شاشة الحاسوب أو الهاتف يتصفح المواقع والصفحات ويبدلها بصورة لا إرادية. وقد أدرجت منظمة الصحة العالميةWHO اضطراب الألعاب في النسخة الحادية عشرة من دليلها للتصنيف الإحصائي الدولي للأمراض والمشكلات الصحية ذات الصلة ICD، وهو مرجع للأمراض المعترف بها والقابلة للتشخيص، بحيث يُعد إدمان الألعاب الرقمية اضطراباً في الصحة العقلية. (العربية، 2019)
وهناك دراسات متعددة للجمعية الأمريكية للطب النفسي تشير إلى أن إدمان التكنولوجيا يؤدي إلى تغيرات عصبية، وزيادة إفراز الكورتيزول نتيجة الإجهاد، وتعطيل قشرة الدماغ الأمامية "الفص الجبهي" أو الجزء التنفيذي للدماغ، المسؤول عن حماية الخلايا العصبية، مما يؤثر سلبًا في الخلايا العصبية. وأشارت دراسات قليلة لتأثير الهاتف المحمول السلبي في المخ، بخاصة في مرحلة التكوين. حيث أكدت أن الإشعاع المنبعث من الشاشة يزيد من نشاط النصف الأيمن من الدماغ على حساب النصف الأيسر منه؛ الأمر الذي يؤدي إلى تشويش الطفل، وإضعاف انتباهه، وتركيزه ومستوى احتماله للإحباط والاكتئاب، ويسبب تراجعاً ملحوظاً في ذاكرته وقدرته على التحليل، والسيطرة على عواطفه. كما أن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشة يعرقل عملية إفراز هرمون الميلاتونين، الأمر الذي يتسبب في إصابة الطفل بالأرق ويؤثر سلبا في جودة النوم. (American Psychiatric Association, 2013)
وترى جينير إدسكي، اختصاصية طب الأطفال التطوري السلوكي، أن الإفراط في استخدام التكنولوجيا ما هو إلا اضطراب وظيفي يؤثر في سلوك الأطفال، وأن الآباء قد يستخدمون التكنولوجيا بديلاً عن أداء واجبات الأبوّة والأمومة، وعلى سبيل المثال تهدئة الطفل المصاب أو المستاء عن طريق السماح له بممارسة لعبة على الهاتف بدلاً من التحدث إليه أو احتضانه ومعانقته، وهذا يؤثر سلباً في نمو الطفل العاطفي والاجتماعي.
والكثير من البرامج والفيديوهات والمسلسلات والأفلام التي تنقلها وسائط التكنولوجيا الحديثة تؤدي إلى حدوث خلل في شخصية الطفل، من خلال ما تنقله وتبثه من قيم وأخلاقيات يتأثر بها الطفل وتؤثر في تكوين شخصيته، وقد تختلف تماما ًعن ثقافة مجتمعه الذي نشأ فيه.
ماذا نفعل فى مواجهة إدمان الأطفال للتكنولوجيا؟
لا بد من أن نعترف أننا – نحن الآباء والأمهات والمعلمات - لن نستطيع أن نمنع أبناءنا أو نعزلهم عن استخدام التكنولوجيا؛ فقد صارت واقعاً مفروضاً لا مهرب منه بحكم طبيعة العصر ومتغيراته. لكننا يجب أن نركز على الإفادة منها، وفى الوقت نفسه التقليل من الآثار السلبية التي قد تترتب على استخدامها لفترات طويلة، وذلك من خلال بعض الإجراءات:
1- ألا يتعرض الطفل، وخصوصاً ما دون السنتين ونصف السنة إلى استخدام الهاتف المحمول والحاسوب المحمول أو اللوحي (التابلت)، وفي حال استخدام الأطفال الأكبر سناً للتكنولوجيا فيمكن مشاركة الوالدين - كليهما أو أحدهما - معهم في التطبيقات المختلفة لضمان وجود جو اجتماعي تفاعلي، مما يثري استخدام الأطفال للتكنولوجيا، ويفيد في تنمية مهاراتهم الاجتماعية والانفعالية ويسهم في نضج شخصياتهم.
2- تحديد عدد ساعات تخصَّص للطفل لاستخدام الأجهزة، بحيث لا يزيد على ساعتين يومياً. كما يمكن تحديد ساعات لا يمكن للطفل استخدام التكنولوجيا فيها، كوقت العشاء أو قبل النوم حتى لا يتأثر الجهاز العصبى للطفل سلباً. ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية؛ يجب عدم السماح إطلاقاً للأطفال بمشاهدة أي مضمون على شاشات الأجهزة الإلكترونية خلال عامهم الأول، والسماح لهم في أضيق الحدود خلال عامهم الثاني. أما بالنسبة إلى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عامين وأربعة أعوام، فيجب ألا تتجاوز فترات تعرضهم للشاشات الإلكترونية أكثر من ساعة واحدة فقط خلال اليوم. كما أكدت المنظمة ضرورة قيام الأطفال تحت خمس سنوات بنشاط عضلي مع الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم.
3- متابعة ما يشاهده أو يستخدمه الطفل من ألعاب أو برامج أو مسلسلات أو تطبيقات تكنولوجية، واستبعاد التطبيقات والبرامج غير المناسبة أو الغريبة عن عاداتنا وتقاليدنا، واتباع أسلوب النقاش والحوار مع الطفل، لتعليمه مفاهيم الصواب والخطأ.
4- على الآباء والأمهات والمعلمات دعم ميول وهوايات الأطفال المختلفة، وتشجيعهم على ممارسة تلك الهوايات، ودفعهم إلى تنميتها، كالعزف على آلة موسيقية، أو الرسم، أو حتى الغناء؛ لتعزيز الشعور بأهمية تلك الهوايات وفوائدها، وإحساس الأطفال بأنهم مفيدون ويمكن الإعتماد عليهم، بدلاً من تضييع وقتهم في ألعاب الكمبيوتر والهواتف الذكية؛ مما يزيد في خمولهم وبدانتهم.
5- أن يقوم الآباء والأمهات أو المعلمات باستخدام البرامج والتطبيقات وتجريبها قبل أن يستخدمها الأبناء، واستخدام البرامج والتطبيقات المفيدة للطفل، كبرامج وأفلام وتطبيقات تعليم الطفل القراءة والكتابة والحساب؛ لما لها من مزايا وفوائد للطفل.
6- أن يقلل الآباء والأمهات والمعلمات أنفسهم من الانشغال بالتكنولوجيا في أثناء التعامل مع الأطفال، وما يشاهده الأطفال منهم من سلوكيات، حتى لا يكونوا سبباً في إدمان أطفالهم بالمثل للتكنولوجيا؛ فقد وجدت دراسة أمريكية أن ما يقارب نسبته 52% من الأطفال الأمريكيين يشتكون من إدمان آبائهم للتكنولوجيا وانشغالهم بها، وهذا مؤشر لنا في العالم العربي، فهذه الظاهرة نشاهدها في أُسرنا ومنازلنا، فنجد الآباء مثلاً يقودون سياراتهم والأطفال إلى جانبهم، والآباء منشغلون في أغلب الوقت في الحديث في الهاتف المحمول، في حين أن الأطفال في عزلة لا يجدون من يستمع إليهم أو يحاورهم، وهذه حال كثيرمن أسرنا للأسف؛ مما يسهم بدوره في تقليد الطفل لوالديه وتحوله بالمثل إلى مدمن للتكنولوجيا.