العمل على إعداد جيل قائد يثق بنفسه ويتحدى العقبات التي تعترض طريق أمته هدف ضروري في تربيه النشء. وزرع تلك الصفة فيهم تُكسبهم القدرة على الثبات والجهاد في الحياة، وامتلاك المؤهلات الضرورية للحفاظ على هوية الأمة ورقيّها بعيداً عن التبعية والذوبان والانهيار.
من هنا انبثق مفهوم المدرسة الذكية أساساً لتطوير التعليم العام، والذي يهدف إلى خلق مجتمع متكامل ومتجانس من الطلبة وأولياء الأمور والمعلمين والمدرسة، وكذلك بين المدارس وبعضها؛ مرتكزاً على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحديث العملية التعليمية ووسائل الشرح والتربية، وبالتالي تخريج أجيال أكثر مهارةً واحترافية.
زرع صفات القيادة
من معرفة الصفات المطلوبة في الإنسان القيادي أياً كان موقعه؛ فإنه يسهل على الأب أو الأم أو المربي أن يزرع هذه الصفات في الطفل. ومن الوسائل المتبعة في ذلك أن يكون الأهل والمربون قدوة للأطفال في كل شيء. وأن يتسموا بهذه الصفات حتى يكونوا مثالاً واضحاً صريحاً للطفل يرغب هو في اتباعه والسير علي خطاه.
كما يجب أن يشجع الأهل الطفل دوماً بإعطائه الثقة بنفسه والثناء على كل شيء جيد يفعله. كما يجب مساعدته على فهم معاني القيادة الحقيقية وعدم استخدامها لفظاً فقط أو صورةً باهتة المعالم.
أيضاً ينبغي على الأهل أن يُشعروا أبناءهم بأهميتهم في الأسرة وفي المجتمع عموماً، ويؤكدوا مكانتهم عند الأهل. كما ينبغي وضع الطفل في مواقف كثيرة بصفة مستمرة يكون فيها تحمُّل للمسؤولية، وتدريبه على أداء مهام معينة وإتقانها، مع متابعته وتعليمه الذكاء والمرونة والفطنة في المواقف.
ولا تنسَ الأم أيضاً الاهتمام بتعليم أبنائها وتثقيفهم؛ فالثقافة والعلم هما خير سلاح لمواجهة المصاعب، وخير وسيلة للتفوق والتميز. وأيضاً تعويده كل الصفات الحسنة من نظام ونظافة وترتيب والتزام بالأوقات والأعمال والمسؤوليات. وتعلم مهارات التعامل والتواضع والحكمة والمرونة والصدق إلى آخر هذه الصفات الحسنة التي يجب أن تميز كل قائد.
وبنظرة فاحصة لما يحدث في الدول العربية من محاولات عملية لتطبيق نظم تعلم القيادة عبر المدرسة الذكية وصولاً إلى مدارس الأطفال المستقبلية الرائدة؛ يبقى هذا الجهد في بدايته، ويتحتم أن نتوجه إلى تطبيق فعلي وفق رؤى وخطط استراتيجية مدروسة لمشروع المدرسة الذكية للطفل في قطاع التعليم العام بمراحله الدراسية المختلفة، بهدف تنمية مهارات التلاميذ وإعدادهم إعداداً جيداً يتناسب مع المتطلبات المستقبلية، ورفع مستوى قدرات المعلمين في توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كل الأنشطة التعليمية، مع توفير البيئة المعلوماتية بمحتواها العلمي الملائم لاحتياجات التلاميذ والمعلمين، وإتاحة مصادر التعليم المباشر، لتكون نواة لصناعة تقنية المعلومات المتقدمة، ونشر المعرفة بين أفراد المجتمع.
"القسوة تقتل الإبداع لدى الطفل وتجعله يخجل من نجاحه"
يقول بيل جيتس، رئيس ومؤسس شركة ميكروسوفت: "إن مستقبل التدريس – وخلافاً لبعض المهن – يبدو مشرقاً للغاية. فمع تحسين الابتكارات الحديثة، كانت هناك دائماً زيادة في نسبة القوة العاملة المخصصة للتدريس، وسوف يزدهر المربون الذي يضفون الحيوية والإبداع على فصول الدراسة، وسيصادف النجاح أيضاً المدرسين الذين يقيمون علاقات قوية مع الأطفال، بالنظر إلى أن الأطفال يحبون الفصول التي يدرس بها بالغون يعرفون أنهم يهتمون بهم اهتماماً حقيقياً، ولقد عرفنا جميعاً مدرسين تركوا تأثيراً مختلفاً.
ان زرع صفات القيادة في الإنسان يجب أن يتم منذ الصغر. وكون الأهل والمحيطين قدوة للطفل؛ فإن ذلك يكون هو المؤثر الأول والأهم في محاولة زرع أي صفه في الطفل.
مستقبل مشرق
إن التأثير السلبي للقسوة على الطفل، أو نقده باستمرار، أو عدم معاملته بحنان واحتواء كافٍ، واستخدام أساليب القسوة مع الطفل - من ضرب وإهانة ونقد دائم وتوبيخ وتحقير لكل ما يفعل الطفل أو معاملته بوصفه طفلاً صغيراً تافهاً - يجعل تخيل أنه قد يصبح شخصاً متوازناً وقيادياً وناجحاً أمراً صعب التخيل؛ لأنه يقتل كثيراً من جوانب التوازن والإبداع بداخل هذا الطفل، ويجعله غير واثق بنفسه على الإطلاق، بخاصة وهو يرى أن أهله - وهم أقرب الناس إليه - يعاملونه بقسوة ويُشعرونه بأنه فاشل أو غير ذكي أو فيه أيٌّ من الصفات السلبية، فيستنتج بصورة أو بأخرى أن المجتمع سيقابله بما هو أسوأ من ذلك، فينشأ خجولاً ومنعزلاً وغير متوازن .
إن تحميل الطفل المسؤولية من الصغر وجعله يمارس هوايات ويبرع فيها ويريها لأهله ويرى مدى انبهارهم بنجاحاته يجعله واثقاً بنفسه. هذا إن لم يكن بارعاً في دراسته، فيكون هناك تعويض ويشعر بأنه ناجح في أمرٍ ما. ولكن حتى لو كان بارعاً في دراسته فلا مانع من أن يكون بارعاً في مجالات أخرى .
أما الطفل القائد الذي يتخذ من العنف و"البلطجة" وإيذاء الآخرين، سواء من إوته وزملائه في المدرسة، وسيله للتعبير عن قيادته وقوته فيجب على الأم والأب اتباع أسلوب الحزم الحاني معه؛ بمعنى أن يكونا حازمين معه لو أساء إلى أحدٍ ما وينبهاه بصفة مستمرة إلى أخطائه، وأن يتخيل موقفه إن كان في موقع من يؤذيه، وأن الله لا يرضى عنه، إلى آخره، على أن يتم هذاا لتوجيه من دون أن يقسوا عليه.
المدرسة مزرعة للقيادة
كما تسهم الأسرة في تكوين الشخصية القيادية ببذورها الأولى، فإن المدرسة هي المزرعة التي تنمو وتزدهر فيها ثمار القيادة. والمربي هو الخبير المسؤول عن كشف وتنمية هذه الثمار.
وللتربية أساليبها ووسائلها الفنية والعلمية الكثيرة في الكشف عن الصفات القيادية لدى الأطفال، وتمرينهم على قيادة الجماعة وتوجيهها، كتعويدهم القيام ببعض المشاريع والأعمال الطلابية، أو تكليفهم بعض المسؤوليات التي هي في حدود قدرتهم، كقيادة اللجان والمشاريع المدرسية، أو عرض ومناقشة بعض القضايا، أو إدارة بعض الأعمال الجماعية كتنظيم الصف والفريق الرياضي، أو مراقبة المدرسة من ناحية النظافة والنظام، أو الإشراف على السفرات والإعداد لها وتنظيمها.
"مع تحسين الابتكارات الحديثة هناك دائماً زيادةفي نسبة القوة العاملة المخصصة للتدريس"
الإعداد القيادي للطفل
في كل الحالات التي يقوم المربي فيها بالإعداد القيادي يجب عليه أن يراعي عدة نقاط مهمة مثل:
- زرع الثقة بنفس الطفل والناشئ ومكافأة المتفوق في مجال عمله، وعدم توجيه الإهانة إلى الطالب عند الفشل أو إشعاره بالقصور والعجز، بل تجب مناقشة الموضوع معه ليشعر بأهمية شخصيته ويكتشف خطأه في الوقت نفسه، كما يجب الاستمرار بتكليفه ليتعود الصبر والمثابرة.
- عدم تكليف الطفل أو الناشئ بعض الأعمال التي تفوق قدراته؛ لئلا يواجه الفشل المتكرر ويفقد الثقة بنفسه.
- تنمية الروح القيادية لدى الطفل والناشئ بواسطة الإيحاء إليه بتعظيم الشخصيات القيادية وإكبارها، وبيان سر العظمة، وموطن القوة القيادية لدى هذه الشخصيات .
- العمل على مراقبة الطفل والناشئ، والحذر من أن يقع في الغرور والتعالي نتيجة نجاحه، أو شعوره بتفوقه، بسبب ما يقوم به من أعمال، لئلا تنشأ لديه عقدة الكبرياء والتعالي. هذا ما يجب تأكيده والاهتمام به في الأدوار الأولى من الحياة المدرسية
أخيراً؛ نقول للأب والأم: إن تربية الطفل النموذجي ربما هي حلم بعيد المنال، ولكن على الإنسان أن يبذل كل ما يستطيع، وأن يحاول أن يجعل لطفله بيئة صالحة يعيش فيها ويعوّده الصفات الحسنة والإيجابية عموماً، وأول طريقة لذلك هي تعليمه وجعله ناجحاً في أمرٍ أو أكثر، وإيجاد جو من الصداقات الصحية له، واستثمار سنوات الطفولة في تعليمه كل العلوم المناسبة لسنه، والمفيدة له، وتدريبه على رياضات ومواهب مختلفة، وجعل حياته غنية بكل ما هو مفيد؛ فكلما كانت طفولته زاخرة بكل ما هو مميز، ومليئة بكل حب وحنان ومتابعه وإشراف واعٍ من الأهل؛ كان مستقبله أفضل بإذن الله. وكلما كان صاحب شخصية قيادية متوازنة؛ فإنه يتأثر ويؤثر في الآخرين بإيجابية.
مهمّة التربويين الصعبة
أصبح إيقاع السرعة والتغير السمة البارزة لهذا العصر. وإذا كان هذا الإيقاع يفرض على أهل السياسة والاقتصاد يقظة مستمرة، وسعياً إلى التفكير الدؤوب؛ فإنه واجب محتوم على التربويين من باب أولى، حيث إن الحاجة إلى التطوير والإصلاح التربوي أصبحت أكثر إلحاحاً من قبل، ولكنها في الوقت نفسه أصبحت أكثر حاجةً إلى التخطيط السليم المبنيّ على التقويم الصحيح للواقع التعليمي، والتقييم الفعلي للمؤثرات المختلفة والشفافية التي تربط بينهما.
وتواكب المجتمعات المعاصرة التطور العلمي المذهل بفاعلية؛ لتشكل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بكل أشكالها السلاح الحقيقي لمواجهة التحديات العديدة، ولا يكاد يختلف اثنان على أن التحدي الكبير الذي يواجه مدارسنا اليوم، هو كيف تتغير المدارس لتواجه متطلبات المرحلة المقبلة، وكما قال البروفيسور لاري كيوبان من جامعة ستانفورد بولاية كليفورنيا: "إن التقنيات الجديدة لا تغيّر المدارس، بل يجب أن تتغير المدارس لكي تتمكن من استخدام التقنيات الجديدة بصورة فعالة".وتعد مهمة تربية وإعداد طفل متوازن، ناجح، سعيد، نافع لنفسه ومجتمعه، تحدياً كبيراً يواجه كل أسرة، وبخاصة في ظل وجود عدة مؤثرات خارجية لا يمكن للأهل التحكم فيها، تؤثر بصورة أو بأخرى في شخصية وخلفية الطفل.