أسئلة الصغار في الطفولة المبكرة تسهم في التطور
المعرفي لديهم وتشكيل مفاهيمهم الخاصة
يبدأ الطفل بمجرد تعلمه الكلام طرح الأسئلة على المحيطين به، لاسيما أبواه وأفراد أسرته من إخوة وأخوات، وربما ضمن المحيط العائلي من أعمام وأخوال وعمات، وخالات، والجد، والجدة.. إلخ، وتتدفق وتفيض أسئلة الطفل في سن الثالثة، وتسمى هذه المرحلة بسن السؤال، لكثرة الأسئلة التي يطرحها الطفل، وتصل إلى ذروتها في السادسة، وهذه الأسئلة تهدف إلى اتباع روح الاستطلاع المتأصلة لديه. غير أنه بعد هذه المرحلة من النمو تظهر لديه دوافع أخرى غير حب الاستطلاع؛ هي مرتبطة بجوانب وحاجات نفسية وعاطفية تهدف إلى تحقيق رغبات وأمن الطفل معاً، والتنفيس عن مكنوناته الباطنية كمضايقة البعض عن طريق طرح وتكرار أسئلة ما، لأن ذلك قد يزعجهم ويحرجهم، وهو يريد بذلك كتعبير عن السخط والإحباط والكراهية. ومن الضرورة بمكان الإجابة عن أسئلة الطفل وحتى وإن كانت لا تهدف إلى أمور استطلاعية، وذلك لأن عدم الإجابة عن أسئلته يؤدي إلى انكفاء الطفل عن طرح الأسئلة؛ ما يؤثر في مداركه ووعيه ومستواه العاطفي والعقلي معاً، وبالتالي في نفسيته؛ إذ قد يؤدي عدم الإجابة عن أسئلته إلى حالة من القلق والاضطراب وعدم الارتياح النفسي، وربما الانطواء والعزلة. ومعروف أن الطفل كثير السؤال في صغره – يكون في السادسة من عمره مثلاً – يعدّ من الأطفال الأذكياء، وهذا نتيجة أن كسبه للمعلومات في سن مبكرة يؤثر إيجابياً في المراحل العمرية اللاحقة.
كما على الآباء عدم تعنيف الطفل أو نهيه عن طرح الأسئلة، وعدم السخرية والاستهزاء أو التقليل من قيمة وأهمية أسئلته، وعدم السماح للآخرين بالسخرية من هذه الأسئلة؛ لأن هذا التعامل من شأنه أن يعطل رغبة الطفل في الاستكشاف والحصول على مزيد من المعارف والمدارك والمعلومات المفيدة له ولذكائه ونموه المعرفي.
استطلاع رأي: 47% من الآباء
يجيبون عن أسئلة الأطفال بـ "لا أعرف"
أسئلة محرجة أو تبدو تافهة!
هناك من الآباء والأمهات من يتبرم من أسئلة الطفل ويتهرب منها لأسباب عديدة من أهمها: نظرة المربي إلى أسئلة الطفل التي تأخذ طابعاً بسيطاً وساذجاً وغير جديّ؛ ما يجعله لا يعير هذه الأسئلة أي اهتمام، أو عندما تكون الأسئلة محرجة وقد تتعلق بالمحرمات الاجتماعية والدينية والأخلاقية، أو عندما يُكثر الطفل من الأسئلة المتوالية والمتسارعة التي لا تنتظر الإجابة عن أحدها حتى يتبعها بالآخر. وفي حالة عدم وجود إجابة جاهزة لدى الوالدين فمن الممكن أن يعدا الطفل بالإجابة عن أسئلته في وقت لاحق والوفاء بهذا الوعد. كما أن على الوالدين والمعلمين أن يجيبوا بصدق عن أسئلة الأطفال وبصورة علمية مبسطة مفهومة لديهم وبعيدة عن التعقيد والإطالة، ومحاولة تقديم المعلومات العلمية والتربوية المعقدة بأسلوب لغوي سهل وسلس؛ لتقريب الحالة والمفهوم إلى ذهن الطفل.
ويُحذّر عالم النفس "واين فليجينج" الآباء من جعل الخجل أو الإحراج عقبة أمام الإجابة عن سؤال الطفل؛ فتلك الأسئلة التي لا يتوانى الصغار عن طرحها في مرحلة الطفولة المبكرة، لها دور مهم في التطور المعرفي لديه، لتكون عوناً له على توظيف المعلومات التي يحصل عليها لتشكيل مفاهيمه الخاصة، وصقل قدرته على التعاطي مع العالم المحيط بشكل أكثر إبداعاً، لذا فإن تجاهل الإجابة عنها أو تعمد الاستجابة لها بشكل سطحي يؤثر سلباً في تطوره الإدراكي.
ويُظهر استطلاع للرأي شمل 2000 من الآباء والأمهات أن 54% منهم لا يفارقهم الارتباك من أسئلة أطفالهم، مستصعبين الرد عليها، إما عن جهل أو خجل، وفي حين أن 47% من الآباء يجيبون بـ "لا أعرف"، فإن 28% يعترفون بمحاولة صياغة جواب مقنع، بصرف النظر عن صوابه، بينما تختار فئة كبيرة منهم البحث عن إجابة على محرك البحث "جوجل" والتظاهر بمعرفتها مسبقاً.
إنّ موضوع أسئلة الأطفال ليس قضية جديدة في مجال التربية وعلم النفس ولدى اختصاصي الطفولة، كما أنّ دراسات عديدة تذهب الى أنّ العدد الكبير من الأسئلة التي يطرحها الأطفال تتمحور حول الغيبيات والذات الإلهية، والظواهر العلمية والكونية وكيفية إنجاب الأطفال، وهي ليست مقتصرة عليها، ولقد وضع المختصون قائمة بأكثر أسئلة الأطفال تكراراً ومنها:
- كيف تعمل الكهرباء؟
- لماذا السماء زرقاء؟
- كيف تطير الطيور؟
- لماذا تبكي ماما عندما تقطّع البصل؟
- من أين تأتي الرياح؟
- لماذا البحر مالح؟
- ما حجم العالم؟
- كم وزن السماء؟
- كيف تطير الطائرات؟
- من أين يأتي المطر؟
- لماذا أبي كبير وأنا صغير؟
- هل حقاً كانت ماما صغيرة مثلي؟
وهناك أسئلة دينية وفلسفية محرجة يمكن للمربين الإجابة عنها بذكاء وفطنة، وعلى سبيل المثال: سؤال عن الموت وما بعده، أو ما نهاية الحياة؟ من أين يأتي الأطفال؟
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من البحوث والدراسات الأكاديمية تؤكد الأهمية الفائقة لأسئلة الأطفال، وبالرغم من ذلك لم يتم الأخذ بها في الجانب التطبيقي في العالم العربي، وهذا ما يؤسف له حقاً، ويُكتفى في المدارس بإجابة التلاميذ عن أسئلة المعلمين والمعلمات وحرمان التلاميذ من طرح الأسئلة التي تتوارد إلى أذهانهم، وهذا خطأ تربوي كبير؛ إذ في هذه الحالة تبقى عقولهم تلقينية حفظية في طريقة تعليم أحادية" من قبل المعلم تجاه التلاميذ، وتسمى حسب الباحث التربوي العربي الدكتور سعيد إسماعيل علي بـ "التعليم البنكي".
أسئلة متكررة: لماذا السماء زرقاء والبحر مالح؟
ولماذا تبكي ماما عندما تقطّع البصل؟
الطفل والمعلم.. أسئلة حائرة!
تجدر الإشارة إلى وجود نوعين من الأسئلة التي يقوم الأطفال بتوجيهها للمربين والمعلمين؛ النوع الأول: عقلي "لغوي" يحاول الطفل أن يستخبر عن شيء ما أو يخبر عنه، ويبدأ الطفل توجيه سؤاله عادة بـ "لماذا" أو "كيف" أو "ما"، أو بالهمزة.
النوع الثاني: "نفسي" يأتي على صيغة خبر يلقيه الطفل إلى السامع كأن يقول طفل "بابا سيحضر لي لعبة" وهو يقصد "هل سيحضر لي بابا لعبة معه؟" ولا يمكن لنا فهم أن ما يقوله الطفل سؤال إلا من خلال ربطه بسياقه الذي تم طرحه فيه.
ولأسئلة الأطفال عدة وظائف؛ منها تحقيق التوازن النفسي للطفل، والتفكير الاستنباطي بغية التعرف إلى البيئة والأجواء المحيطة بها، والتعرف إلى القيم الخلقية والسلوكية التي تقع داخل الإطار الثقافي والاجتماعي الذي يعيش فيه الطفل، وهذا يدعم مقولة تربوية مفادها أن الطفل يبني شخصيته خلال السنوات الخمس الأولى من عمره.
وتشكل الأسئلة نسبة 30% من أحاديث الطفل، ويميل الأطفال الذكور إلى الأسئلة التي تتعلق بالسببية. بينما تميل الإناث إلى الأسئلة المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية، ولكل نوع من الأسئلة إسهامه في تكوين المفهوم عند الطفل، لذا يجب علينا التحلي بالصبر و"طول البال" لمواجهة ذلك الفيض من الأسئلة الغريبة وأحيانا المحرجة.
إنَ عملية الإصغاء إلى أسئلة الطفل من شأنها مشاركته همومه، وكسر حاجز القلق والضيق والخجل الموجود في أعماقه، وإطلاق طاقاته الكامنة في داخله، وتوسيع آفاقه المعرفية والإدراكية.
وفي مجال المدرسة فإن الطريقة التلقينية المتبعة في تقديم الدروس للتلاميذ هي – كما قلنا آنفا - طريقة خاطئة ومتخلفة عن العصر وعن الدراسات التربوية الحديثة التي تدعو إلى مشاركة التلميذ في الحوار مع الجهاز التعليمي، بحيث لا تقتصر المشاركة على المعلم أو المدرس وحده، وذلك لكي يتم خلق جو حواري تشاركي وتنافسي بين التلاميذ ضمن الصف، وأن يشعر التلميذ بقيمته وقدرته على طرح الاسئلة وإجراء حوار ناجح مع معلمه، والدخول مع زملائه التلاميذ في حوار إيجابي فعال ومنتج؛ ما يسهم في ترسيخ ثقة التلاميذ بأنفسهم واعتزازهم بقدراتهم الفكرية ضمن الطقس التعليمي.