الملخص:يتناول الكاتب في هذا المقال أهمية الموسوعات التي تُعد صناعة ثقافية ثقيلة للغاية في بلاد الثقافة خاصة موسوعات الأطفال، ويوضح أنه في البلاد العربية تكاد تكون معدومة ولا يوجد من يتخصص في عملها أو مؤسسات تشجع على إصدارها.
يستعرض الكاتب في هذا المقال تجارب في إعداد موسوعات عربية منها "موسوعة خاصة للأطفال مائة كتاب يجب أن تقرأها قبل أن تكبر" و"موسوعة العلماء للأطفال" و "موسوعة مجالات الأطفال في العالم العربي"
كلمات مفتاحية:
#ثقافة_الطفال #موسوعات_الأطفال #كُتاب_الأطفال
المقال كاملاً
الموسوعات صناعة ثقافية ثقيلة للغاية وفي بلاد الثقافة خاصة موسوعات الأطفال، أما في بلادنا العربية فهي تكاد تكون معدومة ولا يوجد من يتخصص في عملها أو مؤسسات تشجع على إصدارها.
الموسوعة إصدار معرفي إما متخصص أو عام تضم مجموعة محددة من المعارف يستطيع القارئ بها أن يلمَّ بالموضوع، أما المتخصص فإنه يلجأ إلى تفاصيل أكثر تعقيدًا، والموسوعات المهمة يجب أن تكون ملونة ومطبوعة بشكل فخم بهدف جذب الاهتمام. ولن أنسى أبدًا بائع الكتب القديمة في سوق الأشياء المستعملة بمدينة ﭼنيـﭫ، الذي أهداني عشرات الموسوعات في نهاية يوم من التسوق ويبدو أنه استصعب العودة بها من حيث أتى فمنحها لي كهدية، وبكل حماس نقلت هذه الموسوعات الفخمة جدًا إلى مكتبة الفندق، وعندما عدتُ إلى مصر لم أستطع حمل سوى عشرة فقط منها.
نبهتنى هذه الكتب إلى أن ثقافة الدول وحضارتها تُقاس بما لديها من إصدارات موسوعية خاصة للأطفال، فقد كان من بين هذه الكتب موسوعات تاريخية وجغرافية وعن الطيور والحيوانات، والطريف أنني حملت هذا العبء الثقيل في الوزن إلى القاهرة لأنني شعرت بالقيمة الكبرى لما أحمله، وكنت قد أصدرتُ حتى تلك الفترة بعضًا من موسوعات الأطفال ضمن نشاطي الملحوظ لهذا الشأن، وسوف أتكلم عن هذه التجربة باختصار .
كُتَّاب الأطفال والرسامون هم أكثر فئة مظلومة في بلادنا، فنادرًا ما يحفظ الطفل القارئ اسم المؤلف وهناك تصوُّر عام أن كاتب الأطفال هو مؤلف الأشياء الصغيرة كما أنه مُحرَّم على كُتاب الأطفال الحصول على الجوائز الكبرى حتى عام مضى، وبالتالي فلا توجد بيانات متكاملة عن سِيَرهم الأدبية والحياتية؛ ومن هنا بدأت صعوبة عمل أول موسوعة عن كُتاب الأطفال في العالم العربي، فكانت السيدة الدكتورة/ عبلة إبراهيم مدير إدارة الطفولة بجامعة الدول العربية هي أول من تحمَّس لفكرة عمل كتاب موسوعي عن كُتاب الأطفال في العالم، وبدأنا العمل من خلال مطالبة الإدارات الثقافية بمَدِّنا بما هو متاح عن كتاب الأطفال في كل دولة، وصدرت الطبعة التجريبية مع أول هذا القرن وأُرسلت لمراجعتها لدى أكثر من جهة عربية حتى صدرت الطبعة الأولى، على أمل أن تكون هناك طبعات تالية يتم في كُلٍّ منها تزويد ما هو ناقص أو تصحيح ما هو خطأ.
في تلك الفترة كنت أعمل بالتوازي على إصدار كتاب موسوعي أكبر حجمًا في المعلومات ويضم أكبر عدد من الشخصيات التي كتبت للأطفال، بالضبط هم المؤلفون الذين لهم كتب في ثقافة الطفل، باعتبار أنه من الصعب حصر الكُتاب الذين كتبوا للأطفال في المجلات المصرية كثيرة العدد منذ بداية القرن العشرين، أبدت الكاتبة فاطمة المعدول حماسًا شديدًا للفكرة وأصدرت كتاب هؤلاء كتبوا للأطفال، يتضمن كل الكُتاب في هذا المجال بمعلومات وافية حسب العطاء وصدر الكتاب للمرة الأولى عام 1999، وهو نفس الكتاب الذي تحمس له محمد عبد الحافظ الرئيس الحالي للمركز في عام 2019؛ أى بعد عشرين عامًا حيث تمت إضافة جميع الكُتاب الذين دخلوا المجال طوال هذه الحقبة، وهو الآن يعمل بحماس على إصدار الطبعة الثانية من موسوعة هؤلاء رسموا للأطفال بعد عشرين عامًا من صدور الطبعة الأولى، التي أعددتها مع الفنان التشكيلي صلاح البيصار تحت إشراف فاطمة المعدول.
الكتابان من نوع الموسوعات وأهمية صدورهما بالنسبة إلى الطفل هو أنه على القارئ الصغير أن يعرف معلومات عن المؤلف الذي يقرأ له والصورة الشخصية له (بورتريه)، وبالنسبة إلى موسوعة هؤلاء رسموا للأطفال فإنها صدرت ملونة والقَطْع كبير، وتضم معلومات عن الرسام وصورته الشخصية وبعض رسومه للأطفال. هي كتب صالحة للصغار والكبار وقد حرصت دائمًا على عمل إضافات خاصة بكل ما هو جديد وحديث؛ حتى لا تتقادم هذه الكتب الموسوعية وتظل طازَجة، وكان الهدف هو خلق نوع جديد من العلاقة بين الطفل والمبدع.
من ناحيةٍ أخرى، قدمت للمكتبة العربية من خلال الهيئة العامة للاستعلامات عددًا من الموسوعات الخاصة للأطفال فقط، منها: مائة كتاب يجب أن تقرأها قبل أن تكبر، حاولت فيه تقديم أفضل مائة كتاب إبداعي عالمي وعربي يجب أن يقرأها الطفل قبل أن يبلغ سن الشباب: مثل "أوليـﭭـر توسيت"، "روبنسون كروزو "، "جزيرة الكنز"، "العجوز والبحر"، و "الأيام"، وهذا النوع من الكتب الموسوعية يعتمد على نشر كل ما يخص الكتاب والمؤلف مع الاستعانة بالصورة والرسم، وأيضًا الإشارة إلى الأفلام المأخوذة عن هذه الأعمال، مثل "حول العالم في 80 يومًا"، وهذا الكتاب كان محط أنظار الكثير من الناشرين؛ خاصة مكتبة الأسرة التي أصدرته بعنوان: "موسوعة أجمل الكتب"، كما صدر في ليبيا وفي إطار فخم مرسوم بشكل جيد قد تم الاعتناء بإخراجه؛ ليحقق هدفه الأكبر وهو أن يكون جذابًا ومقروءًا .
أما الموسوعة الثانية فكانت "موسوعة العلماء للأطفال" حول لحظات التنوير في حياة الكثير من علماء العالم والعرب، مثل ابن سينا وابن النفيس وجابر بن حيَّان وأحمد زويل وأيضًا إديسون، ولوي باستير وماركونى، وقد نُشرت هذه القصص مرسومة بشكل جيد جدًا للفنان الراحل ممدوح طلعت في مجلة العربي الصغير شهريًا، ثم نشرناها في كتاب ليمتد النفع في دوائر زمنيًا ومكانيًا.
والمقصود بلحظات التنوير هي اللحظة التي تحول فيها الطفل من شخص عادي إلى عالم يفكر، مثل اللحظة التي سقطت فيها التفاحة من فوق الشجرة إلى جوار إسحق نيوتن، واللحظة التي توصل فيه زويل إلى الفيمتو ثانية.
الموسوعات صناعة ثقافية مهمة فيما يخص الأطفال
ظلت فكرة الموسوعية تؤرِّقني خاصةً وأنا أعمل رئيس تحرير لسلسلة كتب الهلال، حيث حرصت على إصدار أعمال موسوعية في مجالات متعددة فأصدرنا كتبًا رخيصة الثمن جدًا عالية القيمة لكُتاب تاريخ متخصصين، مثل "الموسوعة السياسية للأطفال "، و "موسوعة نهر النيل للأطفال" ، "موسوعة أفيشات أفلام الكارتون" .
يجب أن نتوقف عند موسوعة مجلات الأطفال في العالم العربى التي صدرت بتعضيد كُلٍّ من إدارة الطفولة بجامعة الدول العربية والمجلس العربى للطفولة والتنمية، حيث أشرفت السيدة/ إيمان بهيّ الدين على صدور موسوعة فريدة من نوعها، عبارة عن رصد هجائي لكل مجلات الأطفال في العالم العربى في القرن العشرين وحتى صدورها عام 2005، وعمل بطاقة وفيرة المعلومات عن المجلات التي صدرت للأطفال. ويُعدُّ الكتاب الموسوعي الملون عملًا فريدًا في تاريخ ثقافة الطفل، وكَمْ أتمنى لو تم تجديد صدوره مع إضافات ضرورية.
إنه عالم احتاج إلى جهد شاق وتكاليف كبيرة وإصرار مليء بالعلم؛ وأيضًا يحتاج الآن أن نكتب عنه ونقدمه للأجيال الحالية والقادمة.