"حين غضب الهاتف الجوّال"
البداية مع الكاتب الأردني المعروف محمد جمال عمرو، الذي طرح في قصته "حين غضب الهاتف الجوال" مقارنات - من أوجه عدة - بين الكتاب صاحب التاريخ العريق، والهاتف الجوال الحديث؛ حيث نجد الكتاب يفتخر بنفسه لأنه حفظ الحضارة البشرية في مختلف العصور بين دفتيه، ولكنه غاضبٌ من الهاتف الجوال الذي لم يقم بأي دور تاريخي يُذكر، ورغم ذلك يزاحمه على الأطفال، بل أخذ يستأثر بهم لأنه يمتلك وسائل جذابة، كالموسيقى والفيديو والألعاب.
ويقدم كل من الكتاب والهاتف الجوال ميزاته، من دون إغفال سيئات خصمه، أمام القاضي "ساعة المنبه" التي تحاول أن تكون منصفة، وعلى الحياد. وهي طريقة لطيفة لمن المؤلف لتقديم موضوعه أمام الطفل الذي سيكون القارئ، والقاضي أيضاً.
تجري أحداث هذه القصة في غرفة الطفلة "سلمى" التي تستمع إلى النقاش من دون التدخل فيه، ورغم ذلك نجدها تنحاز إلى الكتاب من دون تردد، وذلك عندما ذكّرت أمها بهدية عيد ميلادها، وهي كتب بعدد سنوات عمرها، فلم يخطر لها المطالبة بهاتف جوال حديث! وهنا يبرز دور المؤلف في توجيه الطفل إلى الخيار الصحيح، وقد قام عمرو بهذا الدور بأسلوب غير مباشر، فهو المحترف في مجال الكتابة للطفل ويعرف الطريقة المناسبة لمخاطبته وتوجيهه.
"في بيتنا فيروسات"
الكاتب السوري مهند العاقوص يقدم في قصته "في بيتنا فيروسات" طرحاً مختلفاً عن القصص الشائعة في هذا الموضوع؛ فالطفل لم يصنع المشكلة، ولم يكن طرفها الوحيد، بل هو من حل المشكلة التي تسبب فيها أفراد أسرته، وان كان من دون قصد! لم يعد بطل القصة يستطيع التحدث إلى أفراد أسرته، فقد وجد أن فيروسات الكمبيوتر تمكنت من أخيه الجالس أمامه طوال اليوم،فحولته إلى تمثال. ويذهب الطفل إلى أخته، فيجد أن الفيروسات التي خرجت من جوالها الذي لا تتركه من يدها حولتها إلى دمية من الشمع. ويذهب إلى حجرة أبيه، فيجد أن الفيروسات التي خرجت من التلفزيون، الذي لا يكف عن مشاهدته لساعات طويلة، حوّلته إلى صورة معلقة على الجدار. ثم يذهب إلى أمه، ليجد أن الفيروسات، التي خرجت من آلة الموسيقى التي تستمع إليها دوماً، حوّلتها إلى دمية تدور حول نفسها.
ولا يستسلم الطفل للفيروسات التي حولت أفراد أسرته إلى أشياء جامدة لا حياة فيها، فيأخذ "الماوس" من أخيه، والجوّال من أخته، وجهاز التحكم من والده، والسماعات من أمه، ويضعها كلها في صندوق يقفله جيداً، فتتوقف الأجهزة عن العمل، وبذلك يعود أفراد الأسرة إلى حالتهم الطبيعية، والتحدث مع بعضهم، وأيضاً إلى التحدث مع الطفل الذي أنقذهم من الاستسلام لتلك الأجهزة.
هنا نجد أن العاقوص لم يرغب في إلغاء الأجهزة الذكية لأنه يدرك أن هذا لم يعد ممكناً في عصرنا، فأشار إلى أن أفراد الأسرة عادوا إلى استخدامها ولكن بطريقة معتدلة لا إدمان فيها.
ولا بد من الإشارة إلى أن الطفل أخرج صندوق حكايات الجد. وبذلك قدم هذا الصندوق موازياً للصندوق الذي وضع فيه الأجهزة الحديثة من قبل. وكان صندوق الحكايات شبيها بالكتاب - في القصة السابقة- وبذلك يلتقي مهند العاقوص مع محمد جمال عمرو في حثّ الطفل على القراءة في الكتاب المفيد والمسلي، من دون أن يكون له أي عواقب وخيمة كتلك التي تتسبب فيها الأجهزة الذكية.
"بطل الحاسوب"
يقدم الكاتب السوري جيكر خورشيد في قصته "بطل الحاسوب" قصة واقعية بالطريقة الشائعة، فلا تتحدث فيها الجمادات كالكتب والأجهزة والفيروسات – كما هي الحال في القصتين السابقتين - وهذا أحد الأسباب التي جعلت القصة مباشرةً في الطرح لقلة الجرعة الخيالية.
الطفل يدمن لعبة "صراع الأقوياء"، فيبقى أمام شاشة الكومبيوتر ساعات طويلة - كأفراد أسرة الطفل في قصة العاقوص - حتى أتقن هذه اللعبة، وأخذ ينتصر في ألعابها، فدخل الغرورُ قلبَه، وأخذ يظن نفسه بطلاً. ولكن عند الامتحان وجد نفسه يحقق أدنى الدرجات، رغم أنه كان من التلاميذ المتفوقين في المدرسة، وعند الإعلان عن مسابقة في الجري سجل اسمه ليعوّض خسارته في الدراسة، ولكنه كان الأخير لأن عضلاته أصابها الوهن؛ بسبب قضائه معظم يومه جالساً على الكرسيّ أمام الكمبيوتر، وهنا أدرك الطفل أنه لم يكن إلا بطلاً افتراضياً في لعبة إلكترونية، فقرّر العودة إلى الواقع بعودته إلى الدراسة والرياضة ليكون بطلاً حقيقياً.
هذه القصة نموذجية بامتياز في هذا المجال، وقد فضّل خورشيد أن يكون جدياً مع الطفل عند طرح هذا الموضوع، بل حازماً أيضاً.
"أتمنى لو كنت سناب"
من سلطنة عمان تقدم الكاتبة وفاء الشامسي قصتها "أتمنى لو كنت سناب" ومحورها المشكلة التي صنعتها الأسرة، وهنا تلتقي مع قصة العاقوص؛ فالوالدان يتعلقان بالاختراعات الذكية بطريقة غير سويّة، وذلك على حساب ابنتهما "جوجو" التي تعاني الوحدة في المنزل.
هذه القصة تخاطب الطفل مقترحةً عليه حل مشاكله بمصارحة الأهل بمشاعره، وفي الوقت نفسه تخاطب الأهل أيضاً للانتباه إلى سلوكهم مع أبنائهم، وهذه قضية في غاية الأهمية، ونلاحظ أنه لم يغفل عنها كتّاب قصص الأطفال.
ونجد الوالدين مشغولين ببرامج الإنترنت طوال اليوم. لهذا لا تجد جوجو غير وسيلة واحدة للتحدث إليهما؛ وهي مراسلتهما عبر برنامج "سناب" لتخبرهما بأنها تريد أن تتحول إلى برنامج إلكتروني كي يقضيا معها بعض الوقت! فيدرك الوالدان خطأهما، ويعِدانها أنهما سيقضيان معها معظم وقتهما للعب والرسم والقراءة.
تبدو فكرة تحوّل الطفلة إلى برنامج طريفة حقاً، رغم أن طريقة التحوّل غير واضحة في القصة، ولكن الحدث جعل الفكرة مبرّرة في سياق القصة.
ونجد أن عدداً لا بأس به من قصص الأطفال تشير إلى مشكلة تعلق الأهل بالأجهزة الذكية، والنتيجة إهمال أبنائهم.
وهنا نؤكد أهمية مشاركة الوالدين أطفالهما في قراءة القصص، وعدم الاكتفاء بشرائها، لأن بعض تلك القصص تشير إلى قضايا تربوية قد لا يفطن إليها الأهل. إضافةً إلى أن بعض قصص الأطفال قد تكون تجارية تتضمن أفكاراً لا تتناسب مع قِيمنا، لهذا يجب على الوالدين الحرص على ألا تقع في أيدي أطفالهم!.
"مع جدّي"
الكاتب المصري السيد إبراهيم يقدم في قصته "مع جدّي" رؤيةً جديدةً ومختلفةً عن النمط السائد الذي وجدناه في معظم قصص الأطفال، التي تدور أحداثها حول الأجهزة الذكية؛ فالمتعارف عليه أن وجود أجهزة ذكية يأتي بمشاكل تؤثر سلباً في حياة الطفل بطل القصة (قصتي عمرو وخورشيد) أو أفراد الأسرة من حوله (قصتا العاقوص والشامسي) وإن أتى الحل المناسب في نهاية كل قصة. ولكن في قصة "مع جدي" نجد أن الجهاز الذكي لم يتسبب في أي مشكلة، بل أدخل السعادة إلى قلب الطفل، وقلب جده الذي بلغ الثمانين من العمر.
يهدي "آدم" جدّه "موبايل" حديثاً، ويعلمه استخدامه، وهذه كانت تجربة جديدة للجد الذي لم يشعر بالنفور من الاختراع الجديد، بل أقبل على التقاط الصور، وأعجبه وجود ساعة المنبه ضمن برامجه، وأخذ يتفرج على نقل مباشر لمباراة رياضية على شاشته لأن التلفزيون معطل. الجد الذي أجاد استخدام الجوال قرر إهداء حفيده هديةً بدوره، والطريف أنه لم يُهدِه جهازاً حديثاً كما فعل حفيده، بل أهداه الأجهزة القديمة التي لم يعد يحتاج إليها بوجود الجوال الذي أغناه عنها، مثل الهاتف السلكي، والكاميرا، وساعة الحائط، والتلفزيون. ولم يرمِ آدم الأجهزة القديمة، ولم يتبرم منها، بل قرر أن يفتتح في منزل الجد متحفاً للمخترعات القديمة، ودعا الأصدقاء إلى مشاهدتها لأنها لم تعد متوافرة في كل منزل. ولم يكتفِ آدم بذلك، بل طلب من الجد أن يروي الحكايات ليصوّرها بجواله، ثم ينشرها على شبكة الإنترنت، كي يشاهدها الأطفال في كل أنحاء العالم؛ فالقصص القديمة لن تنقرض في زمن الأجهزة الحديثة، بل تلك الاختراعات سوف تحفظها من الضياع ( كذلك نوّه العاقوص إلى أهمية الحكايات وإن بطريقة مختلفة) وبذلك عمل إبراهيم على مصالحة لم نجد لها مثيلاً في قصص الأطفال التي تتحدث عن الأجهزة الذكية بريبة، أو سوء نية، كما في أغلبية قصص الأطفال التي تتناول موضوع الأجهزة الذكية - كما في القصص السابقة أيضا- ولعل هذه القصة هي الأقرب إلى الجيل القارئ الصغير. وهنا يجب التنبيه إلى ضرورة إجراء دراسات ميدانية حول تفاعل الأطفال مع القصص التي تعالج موضوع الأجهزة الذكية؛ لأن المؤلفين من جيل تفصله عن جيل القرّاء سنوات حدثت فيها تطورات جذرية في نمط الحياة وطرقها.
أهمية النقد التطبيقيّ
تأتي أهمية كتابة النقد التطبيقيّ في قصص الأطفال من أنها تتناول موضوعات بذاتها من زوايا مختلفة، وتحلل الأسلوب الذي تمت فيه معالجة هذه الموضوعات، وهذا قد ينبّه المؤلف إلى أشياء لا ينتبه إليها، فتفتح له آفاقاً جديدة، لهذا فإن تناول قصص بعينها لا يعني اختصار مسيرة هذا الكاتب، بل هي إشارة إلى قصة بذاتها لا تعكس مسيرته كلها.