الناشئة يتلقون العلم في المدارس ككتلة
من معادلات غير مفهومة وأفكار مجردة للحفظ
وفي سعينا لاختيارِ بعضٍ من هذه الكتب لترجمتها، تيسَّرتْ لنا إطلالةٌ على قوائم بعض دُور النشر الأوربية والأمريكية المهتمة بتقديم الثقافة العلمية للناشئة، الذين يتلقون المواد العلمية في مدارسهم ككتلةٍ من معادلاتٍ غير مفهومة وأفكارٍ مُجرَّدَة، ينبغي عليهم حفظها لاجتياز الاختبارات، لا أكثر؛ على العكس من الحال بالنسبة إلى مناهج أخرى، تهتم بالإنسانيات، كالتاريخ واللغات والدراسات الاجتماعية؛ إذ تُقدَّمُ العلومُ لصغارنا كقوة لا إنسانية يمكنها التأثير في العالم وتغييره. لا عجب، إذن، ألًّا يُقبِلَ أبناؤنا على التخصص في دراسة العلوم والتفكير في انتهاج مسار علمي في حياتهم العملية.
فكيف السبيلُ إلى تغيير هذه الصورة وتجميلها؟
إنه دورُ الآباء، بمساعدة دُور النشر والهيئات المهتمة بثقافة الطفل، وقبل ذلك، في وجود مؤلفين جيدين يعرفون كيف يقدمون للأطفال وجهًا جميلًا للعلم.
ومن الهيئات المهتمة بالثقافة العلمية للطفل في أوربا، الجمعية المَلَكيَّة البريطانيَّة، التي تقدم جائزة سنوية لأفضل كتب في الثقافة العلمية الموجهة للأطفال والناشئة، حتى سن 14 سنة؛ تشجيعًا للمؤلفين في هذا المجال؛ ومن الكتب التي فازت بهذه الجائزة كتابٌ عنوانه: (متى نصيرُ خُضــرًا؟)، ويهتم بعرض قضايا بيئية متنوعة للقرَّاء الصغار، مثل التغيُّرات المناخية، والتلوُّث، واستغلال الموارد الطبيعية، والنُّفايات، والجوع، وتأثير الأنشطة البشرية على الحياة البَرِّية، ويربط هذه المسائل بالسلوكيات البشرية، ويدعو القارئ الصغير إلى التفكير فيما يمكن القيام به حيالَها، على الصعيدين: الشخصي والعالمي. وكتابٌ آخر يبدو عنوانُه غريبًا: (مخاطٌ ودمٌ). وكلنا يعرف المخاط، ولكن لا يهتم كثيرون بالتوقف ليسألوا: ما فائدته؟. ويقدم لنا هذا الكتاب كل شيء عن هذه الإفرازات المهمة التي تتكون في أجسامنا، وخاصة في الجهاز التنفسي؛ وكذلك مادة أخرى تصنعها أجسامنا هي الدُّمُ.
هناك مؤسسات عالمية تهتم بتقديم المفاهيم
وسير العلماء والاكتشافات العلمية بأسلوب جاذب للأطفال
ومن دُور النشر الإنجليزية المهتمة بالثقافة العلمية للناشئة (دورلينج كيندرسلي)، التي أطلقت مُؤخَّرًا سلسلة كتب موجهة للمرحلة العمرية فوق 10 سنوات، عنوانها العام: (علوم مشهودة)، فتقدم في كتاب عن المواد، على سبيل المثال، المفاهيم العلمية للبلَّورات والكهرباء وخواص المواد الصلبة، في أُطُرٍ قصصية وتاريخية عن العلماء أصحاب الإنجازات في هذه المجالات، مثل روبرت بويل، وأنطوان لافوازييه، وغيرهما. ويهتمُّ إصدارٌ آخر، عن (القُوَى والحركة)، بأن يجعل الطفل يستشعرُ مدى ارتباط البحث العلمي بالحياة اليومية، من خلال موضوعات عن الروافع وغيرها من آلات بسيطة، وعن مصادر جديدة للطاقة من حركة الأمواج والرياح.
وتُصدر دار النشر العالمية (هاربر كولينز) سلسلة عنوانها: (اكتشافات علمية)، موجهة للمرحلة العمرية (8 - 12 سنة)، في صورة حكايات تُبرز حياة وأعمال مفكرين وعلماء مشهورين، مثل جاليليو وتشارلس دَارْوِن وماري كوري وتوماس إديسون، وتُظهر للأطفال مدى أهمية هذه الشخصيات في تقدم العلم، ومدى شجاعة بعض العلماء في الدفاع عن أفكارهم.
ولا تبتعد دار نشر أخرى، هي (ترول أسُّوشياتس)، كثيرًا عن هذه الناحية، في سلسلة الكتب المُوجَّهة لنفس المرحلة العمرية، وعنوانها: (سِيَرٌ مُبسَّطَة)، ترسم صورًا أخَّاذةً لروَّاد العلوم، وتُولِي اهتمامًا خاصًا بالسنوات الأولى من حياتهم؛ للتأكيد على أن لمرحلة الطفولة تأثيرها على المسيرة العلمية لهؤلاء الرواد، كما حدث مع لويس باستير الذي كان في صباه وشبابه شَغُوفًا بملاحظة أسرار المرض وفساد الأطعمة، وهو الشغف الذي لازمه حتى اكتشف الميكروبات. وتشتمل هذه السلسلة على سِيَر مبسطة أخرى لألبرت آينشتاين وتوماس إديسون، وغيرهما.
وتُصدِرُ الدار نفسُها سلسلة كتب أخرى، موجَّهة للمرحلة العمرية (9 - 13 سنة)، عنوانها (يومٌ في حياة...)، تبين للأطفال الفرص المتاحة لهم في مجالات العلوم، فيقدم كل كتاب من السلسلة إطلالةً من قريبٍ على مهنة علمية، من عالِم حشرات، وباحث في علوم الغابات، وعالم أحياء بحرية، وطبيب بيطري، وغيرها. وقد تُحفِّز هذه الكتب القرَّاء الناشئة على التفكير في اتخاذ مهن علمية مستقبلًا؛ ومن جهةٍ أخرى، فهي تبين ما لكل وظيفة علمية من متطلبات وواجبات، ليتعلم الأطفالُ أن التفاني والدراسة أمران ضروريان.
أما سلسلة كتب (في مواجهة العِلم)، التي تُصدرها مجموعة كراون للنشر، فهي مُوجَّهة للفئة العمرية (7 - 11 سنة)، وتنفرد بميزة الاقتراب من العلماء وهم يعملون، فيصحبنا مؤلف كتاب (حفريات اكتشاف الدينوصور ريكس)، مع أحد علماء الأحافير، إلى أحد مواقع أعمال الحفر الاستكشافية؛ لمتابعة هذه الأعمال، بدءًا من الحَفْر وانتهاءً بنقل الأُحْفُورة إلى المتحف. وفي كتابٍ آخر بعنوان: (صياحُ الفِيَلة)، تشرح مؤلفته كيفية اكتشافها للترددات المنخفضة لصيحات الأفيال، وكيف ساعدها ذلك في دراساتها لسلوكيَّات هذه الحيوانات الضخمة.