استطاعت هذه البرامج أن تحقق فاعليةً أكبر في إكساب الطفل الثقة ودعمه في مواجهة الآخرين، ونجحت بالفعل في دمج الأطفال وتهيئة فرص التعارف في ما بينهم، وأصبحت هذه البرامج أساسية في ما يُقدم للطفل، لما تقوم عليه من تعاطٍ مباشر، وتقديم ما يروق له ويُسعده وينمِّي هواياته وحبَّه للفن.
الأنشطة لا تقتصر على مرضى السرطان فقط،
ولكن أطفال أمراض القلب والكُلَى أيضًا
الأديبة والكاتبة والمترجمة المصرية أمل جمال قدمت الكثير للأطفال في هذا المجال، وقررت أن تقدم نشاطًا مختلفًا خارج الصندوق، وتوصلت بعد فترةٍ من البحث والتأمل إلى أن هناك عشرات الأطفال المرضى في المستشفيات ممَّن يحتاجون إلى الدعم النفسي، وأن مشاركتهم لمثل هذه الأنشطة سيساعد في علاجهم خاصة أطفال مرضى السرطان؛ حيث يحتاج الطفل المريض إلى الدعم النفسي ليستقوى معنويًا في مواجهة المرض؛ فكونت مجموعة عمل من عائلتها، تضم أعمارًا مختلفة من الشباب والفتيات والأطفال، اصطحبتهم معها إلى المستشفيات وأقامت ورش حكي وبرامج ترفيهية متنوعة للأطفال. ولأن الأطفال مرضى السرطان هم أكثر مَن يحتاجون إلى الحب والدعم من الجميع؛ انطلقت أمل في تجربتها من مستشفى 57357 طنطا. واتَّسع اهتمامها ليشمل الأطفال مرضى الكُلَى والقلب أيضًا.
تُعدُّ أمل جمال رائدةَ تجربة الحكي للأطفال المرضى من أبرز الكاتبات المعنيَّات بالطفل في مصر والوطن العربي، فضلًا عن كتابتها للشعر والنقد وجهودها في الترجمة؛ صدر لها 9 كتب متنوعة للأطفال بين الشعر والقصة والترجمة؛ وهي: "بحيرة الضفدعة"، و"حكايات من الغابة"، و"السنجاب الأحمر"، و"تيجي معايا"، و"أغاني المحبة"، و"حين يحكم الثعلب"، و"القطة التي قالت لا"، و"العصفور الأزرق"، و"سلَّة الحكايات"، و"أغاني المحبة"، فضلًا ديوانيين لمرحلة ما قبل المدرسة، إلى جانب العديد من القصص المترجمة. خاصة أن الكتابة لديها تتميز بمضمونها الذي يحمل رسالة حقيقية للطفل، وتوجيهًا خفيًا غير مباشر، إلى جانب المتعة والبهجة والقيَم التربوية المغلَّفة بالفرح. وتوضح أن بناء شخصية الطفل يتطلب بناء مجتمع له مستقبل، وأن الكتابة للطفل مغامرة لا يقوَى عليها إلا الذين يعرفون ماذا يريدون فعلًا. وترى "أن هناك الكثير من الأعمال المقدمة للطفل هنا وهناك لكنها لا تحقق الهدف منها لأنها لا تُشبع شغف الطفل. هناك أفذاذ كتبوا للطفل أعمالًا خالدة لا زالت متوهجة حتى الآن مثل رواية أنطوان دوسانت أوكزبيري التي كتبها في الأربعينيات، وروبرت لويس ستيفنسون، وﭼـيني بيكر...، وغيرهم.
تقدم أمل جمال الحكي للأطفال في مختلف الأماكن التي تعمل وتتواجد فيها، سواء في المدارس، أو تلاميذ رياض الأطفال بشكلٍ تطوُّعي، فضلًا عن تقديمها ورشة حكي في قصر ثقافة شبين القناطر، وورشات الأطفال بمعرض القاهرة الدولي للكتاب سنويًا. وفي مجال عملها بالتربية والتعليم ابتكرت طُرقًا لتطويع المنهج بشكل فني رغم صعوبة مادة العلوم التي تعمل مُوجِّهةً لها، حيث استخدمت الكروت والصَّلْصال والورق، وأقامت الندوات التي تجمع بين التثقيف والعلم.
بداية الفكرة:
دعمًا لأطفال العالم المصابين بالمرض، فقد تحدَّد يوم 15 فبراير من كل عام يومًا عالميًا لسرطان الأطفال. ليزداد الاهتمام بالأطفال المرضى في ظل استفحال المرض في العالم، وقد بدأت فكرة الورشة بوصيَّة من والدها، رحمة الله عليه، بأن تعتني بأطفال مرضى السرطان لأنهم أبطال معركة شرسة ويحتاجون إلى الدعم والاهتمام. عقب وفاة الوالد بدأت أمل التفكير بجديَّة في مشروع مختلف يتجاوز التبرع للمستشفيات ويعمل على إسعاد هؤلاء الأطفال، فكانت فكرة الذهاب إليهم في المستشفيات وتقديم ورشة إنسانية تُصلح بالفرح الحالة النفسية للطفل، وتفتح شباك الأمل على الغد الذي سيُشفى فيه ويعود إلى حياته الطبيعية. ولأن الوالد كان يحب الأطفال ويحنو عليهم، وأطفال العائلة ينادونه جدو محمد، فكان اسم الورشة "ورشة جدو محمد.. فاتحين شبَّاك على بُكرة".
الورشة تُقِيم مكتباتٍ للأطفال،
وتشاركهم نجاحاتهم الدراسية واحتفالات عيد الأُمّ
قدمت الورشة أول برامجها في أكتوبر 2016، وتم تسجيلها رسميًا بعد عامين من بدء عملها. وتقول رائدة الحكي للأطفال المرضى عن الدافع الآخر لإقامة الورشة "إنها رسالتي مع الأطفال جميعًا ككاتبة وكأُمّ وإنسانة، ورغبتي في التخفيف عنهم، حتى لو ارتديت باروكة المهرج أو ركبت قطار درجة ثالثة في يناير لألحق موعدي معهم" حيث تقدم أمل الورشة بصحبة العائلة بمنتهى الجدية والتفاني؛ دعمًا لهؤلاء الأطفال الذين يمرون بظروف استثنائية وفي حاجة إلى الدعم والمؤازرة؛ حيث يتعرض الأطفال والمراهقون المصابون بالسرطان من حينٍ لآخر لحالاتٍ من القلق والاكتئاب، وتظهر أعراض ذلك في أي مرحلة من مراحل العلاج. وكشفت دراسات علمية حديثة أن الاكتئاب عند الأطفال والمراهقين يجعلهم أكثر عصبيةً وأكثر غضبًا وقلقًا وتوترًا واعتراضًا، ويعبرون عن شكاوى بدنية أكثر وينخرطون في سلوكيات خطرة. يتطلب القضاء على ذلك اللجوء إلى الأدوية المضادة للاكتئاب أو العلاج النفسي عن طريق تعزيز الشعور بالاطمئنان والدعم النفسي المستمر.
ولأن الفن يُدخل السرور على الطفل، ويخلصه من الطاقة السلبية الكامنة داخله، ويخلصه أيضًا من الحزن والاكتئاب الذي قد يصل إلى التفكير في الموت أحيانًا؛ أقدمت ورشة أمل أو ورشة "جدو محمد" على استثمار طاقتها وثقافتها ودراستها الأكاديمية في التربية وفي الطفولة، موظفةً طاقات شباب العائلة وحماسهم في إسعاد هؤلاء الأطفال وتقديم الدعم المعنوي لهم، فقدمت العديد من النشاطات الفنية كالرسم، والتلوين، والصَّلْصَال، والخيوط، وفنون الورق، إلى جانب الحكي بشكلٍ رئيس. لاسيما أن المؤتمرات التي عُقدت بالأمم المتحدة أثبتت جدوى العلاج عن طريق الفن.
وأمل جمال ليست ببعيدة عن ذلك كدارسة ومبدعة، فهي حاصلة على دبلوم الدراسات العليا في فنون الطفل، ودبلومة تربوية في الطفولة، فضلًا عن عملها في التربية والتعليم لأكثر من 30 عامًا. وتدفعها "ورشة جدو محمد" لمتابعة كل ما يصدر من كتب مخصصة للأطفال الأبطال في العالم، الذين يواجهون بقوة مرض السرطان. تذكر أمل أن "الورشة ليست رفاهيةً ولا تأنقًا. الورشة رسالة إنسانية ذات قواعد علمية. أحضر الكتب أحيانًا من أمريكا لندرة الكتب هنا أو لأن محتواها لا يُرضي طموحي." ويبدو في ذلك قدر المسئولية والإخلاص في ما يقدم للطفل حيث يتحلى بنفس الروح جميع أفراد العائلة الذين يشاركون في العمل على أرض الواقع وفي التمويل، بدءًا من السيدة الوالدة (والدة أمل جمال) حتى أصغر طفل بالعائلة، مرورًا بثلاثة شباب يدعمون المشروع ماديًا؛ وهم: نور الدين أنس، وكريم عهدي، ورامي رأفت، فهم حريصون على الاستمرار في الرعاية والمشاركة الدائمة. وهناك أيضًا حنين، ومريم، ونوران، وعمر، ومحمد، وزوجات الإخوة أيضًا.
تتوقف مشاركة أفراد العائلة على نوع الورشة المقدمة وظروف حضورها. وقد تعلَّم أطفال العائلة الحكي، وعمل مكياﭺ للبنات، وفي طريقهم للرسم على الوجوه. كانت الورشة تُقام مرتين في الشهر قبل جائحة كورونا، ولا تقتصر على أطفال السرطان فقط ولكن أطفال الأمراض الصعبة والمزمنة مثل أمراض القلب والكُلَى. ولا تتلقى الورشة إعانات ولا مشاركات عينية من أحد إلا في حالة واحدة؛ هي أن يكون التبرع أو الهدية للأطفال باسم المتبرع نفسه وليس باسم الورشة.
برامج متنوعة احتفاء بالنجاح
تقوم ورشة جدو محمد بالعديد من الأنشطة مثل الحفلات وتوزيع الهدايا وإقامة أعياد الميلاد للأطفال، وتلبية مطالب معينة مثل رغبة بعضهم في لعبة معينة، أو أورج موسيقيّ، أو باروكات شعر وغيرها. كما تعمل الورشة على توفير مكتبات في قسم الأطفال بالمستشفى أو تزويد المكتبة بالكتب إن كانت موجودة بالفعل، وتقوم الورشة بالمشاركة في احتفالات عيد الأم أو تخرُّج أطفال في مراحل دراسية مثلًا وإقامة ورشات الحكي والورشات الفنية. إلى جانب ذلك تقوم الورشة بدراسة أحوال الأطفال المكتئبين والرافضين الاستمرار بالمستشفى، ويتم ذلك بأسلوب علمي وفني أيضًا. وتقدم الخدمة في المناطق الأكثر احتياجًا، ولأن بالقاهرة من يهتم بالأطفال فقد قررت ورشة جدو محمد أن يكون مكانها الدائم هو مستشفى 57357 طنطا، وهو امتداد للمستشفى الأُمّ بالقاهرة. وأثنت الورشة على كُلٍّ من الدكتور عاصم غلاب والدكتور محمد فوزي ووردة من العلاقات العامة وأطقم التمريض والرعاية الاجتماعية؛ لما تجده من تعاون مع الورشة.
عامان من العمل المتواصل لعائلة جدو محمد،
لم يقلَّ النشاط إلا بسبب جائحة كورونا لا شكَّ أن انتشار ﭬـيروس كورونا المستجدّ أثَّر على نشاط الورشة ولم تعُد بانتظام كما كانت، فقلَّت الزيارات، وذهب طاقم الورشة مرة واحدة بباروكات المهرجين حينما سُمح لهم بالزيارة، فقدموا الهدايا للأطفال الذين يتلقون العلاج الكيماوي، ومَن يجهزون لدخول المستشفى ولم يتمكنوا من دخول الغرف أو صالة اللعب كالمعتاد. يتمنى أفراد العائلة/ الورشة، أن يكون لهم نشاطٌ بأُسْوان مع أطفال معهد القلب، وأن يجد الأطفال المرضى في المستشفيات اهتمام كل الناس. هناك كثيرون، بلا شَكَّ، يقومون بذلك لكن نحتاج إلى اهتمام الجميع بالأطفال.