دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة
مع أقرانهم الطبيعيين
في نظام تعليمى يحقق مبدأ تكافؤ الفرص
الدمج بين الطفل الخاص والطفل الطبيعي
بدايةً؛ نقصد بالدمج هنا إعطاء الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة فرصة الانخراط في نظام تعليمى؛ لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص والمشاركة الحياتية العامة حتى تتحقق الأهداف التربوية الخاصة للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفقاً للأساليب والوسائل التعليمية، التي تشرف عليها كوادر متخصصة، تعليمية ونفسية وطبية. ويمكن دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في فصول ومدارس التعليم العام؛ لدعم الجانب الاجتماعي والثقافي للطفل، وتحقيق بعض التنمية الاقتصادية في مدارس التعليم التابعة لمؤسسات الدولة، حيث يكون الطفل صاحب الاحتياجات الخاصة متلقياً للعديد من المعارف التي يتلقاها الطفل الطبيعي؛ مما يحقق له التفاعل الحياتي مع أقرانه الطبيعيين في أقل البيئات تعقيداً.
كما تُعنى البرامج التعليمية المعنيىة بالتربية الخاصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتهتم اهتماماً خاصاً بتعليمهم وفق برامج تمكنهم من التحصيل بشكل يتماشى مع ظروف احتياجتهم ومساعدتهم على الانخراط في برامج التعليم العادي. كما يمكن تعريف التربية الخاصة بأنها الخدمات التي تسعى إلى تنظيم حياة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومحاولة أقلمتها حتى يشهدوا نمواً ايجابياً متحققاً. ويمكن إضافة معنى آخر للدمج؛ وهو أنه تحقيق التكامل الاجتماعي والدراسي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والأطفال الطبيعيين في الصفوف الدراسية العادية، مع ضرورة حصول الفئة الأولى في الوقت نفسه على الخدمات الخاصة بهم.
مشاركة معلم الطفل الخاص مع باقي
المعلمين تضمن نجاح عملية الدمج
أنواع الدمج
لا يمكن دمج الطلاب بطريقة عشوائية. لذلك يوجد نوع من الدمج لذوى الاحتياجات الخاصة مع الصفوف الأولى في المدارس العادية، ويشمل ذلك توفير صفوف خاصة للطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة بداخل بناء المدرسة أو المؤسسة التعليمية بهدف التأقلم بالمدارس العادية، ويشمل هذا النوع التقاءهم الأطفال الطبيعيين تحت إشراف المعلم العادي والاختصاصي النفسي المتخصص في إعداد تدريب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا من شأنه رفع مستوى ذكائهم وإدراكهم وتوافقهم مع سلوكيات الأطفال الطبيعيين، وإعطاؤهم مساحة المشاركة في مجالات الحياة العامة، ورفع درجة التقبل من الأطفال الطبيعيين لهذه المشاركة؛ تمهيداً لتوسيعها في مجالات الحياة العامة.
يسمى "الدمج الأكاديمي" بهذا الاسم لأنه يقصد به إلحاق الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع أقرانهم من الأطفال الطبيعيين في صف واحد طوال اليوم الدراسي، وذلك بهدف إتاحة الفرصة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة للتغلب على صعوبات التعلم وتلقي مختلف البرامج التعليمية بالاشتراك مع أقرانهم الطبيعيين. لذلك يجب على المدرسة توفير مختلف العوامل لإنجاح عملية الدمج في وجود المشاركة والتعاون مع معلم الطفل الخاص ومعلم الأطفال الطبيعيين لتسهيل المعلومة لذوي الاجتياجات الخاصة.
الشروط الواجب مراعاتها للدمج
يجب تهيئة الأطفال الطبيعيين لتقبل التعامل مع الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة؛ عن طريق محاضرات ودروس عن تلك الحالات، ودعم الأطفال الطبيعيين الأكثر تقبلاً للطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة وتأهيل الطفل من هذه الفئة نفسياً وتربوياً للتعامل مع الأطفال الطبيعيين، وتأهيل معلمي الفصول الخاصة، وتدريبهم على التعامل الجيد مع أوضاع الدمج وكيفية التصرف في المواقف التي تنشأ عن تفاعل الأطفال في أثناء الحصص والأنشطة التعليمية والترفيهية، مع تدريب الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على استقبال المعلومات المعرفية في أثناء حصص الدمج الدراسية. إن الدمج يحقق المساواة والمشاركة لذوي الاحتاجات الخاصة أسوةً بذويهم من الطبيعيين، وإزالة مظاهر التمييز تجاهم أو انتقادهم، ويستفاد من إزالة الآثار السلبية وتحويلها إلى اتجاهات إيجابية ودعم مشاعر ثقافة تقبُّل الآخر الأقل تميزاً.
مبدعون ولكن.. !
الجدير بالذكر أن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم قدرات إبداعية بشكل أو بآخر وطاقات خلاقة في العديد من النواحي قد تفوق الأطفال الطبيعيين أحياناً، ولكن القوالب الذهنية الجامدة لدى العامة من الناس هي التي تسبب التمييز السلبي نحوهم. كما أن الدمج يؤدي بالضرورة إلى رفع معدل تقبّل حب الذات عند الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وزيادة دافعيتهم نحو التعليم ونحو تكوين علاقات بناءة مع الآخر.
مشكلة موسمية
يمكن القول إنه مع بداية كل عام دراسي تطفو مشكلة الدمج على سطح المجتمع؛ وهى مشكلة تؤرق أولياء الأمور بوجه عام؛ حيث إن الدمج لدى أولياء أمور ذوي الاحتياجات الخاصة هو السبيل الوحيد لعلاجهم وخروجهم من عزلتهم، وهناك من يرفض الدمج من المتخصصين وأولياء أمور الأطفال الطبيعيين؛ بحجة أن ضرره أكبر من نفعه.. هذه الجدلية لا تزال موجودة ومتجددة، ولحسمها لا بد من إعداد دراسات تكون ثقافة معاشة في المجال العام تبيّن فوائد الدمج. كذلك لا بد من إرساء فلسفات الدمج التعليمي، التي يجب ألا تظل حكراً على ثقافات الدول المتقدمة وحدها.
اتفاقيات دولية وتجارب عربية
لقد صدقت مصر على اتفاقية عام 2008 مع عشر دول أخرى؛ بعضها أقل في ظروفها الاقتصادية والاجتماعية من مصر. تضيف المادة (24) من هذه الاتفاقية الدولية على عدم استبعاد الأشخاص ذوي الإعاقة من النظام التعليمي العام بسبب إعاقتهم، وكذلك على عدم استبعاد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من التعليم الابتدائي والثانوي والإلزامي على أساس الإعاقة. كما نصت على تمكين ذوي الإعاقة من الحصول على العديد من الحقوق التي تحقق المساواة مع الآخرين، وتتطلع مصر إلى إجراء العديد من التعديلات التي تحفظ حقوق هذه الفئات ومراعاة الاحتياجات الفردية.
وإعمالاً لهذه الحقوق تتخذ الدول أطراف الاتفاقية التدابير المناسبة لتوظيف مدرسين يختصون بإعداد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وتدريب العاملين في جميع المراحل والمستويات التعليمية، على أن يشمل هذا التدريب التوعية بالإعاقة، واستعمال طرق ووسائل الاتصال المناسبة والتقنيات والمواد التعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة. وهناك توجه عام في مصر نحو تأكيد الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، وتتجه مؤسسات الدولة في كل خططها إلى تفهّم فلسفة الدمج بأشكاله، بل جعلت العام الفائت "عاما لذوي الاحتياجات الخاصة"، مع تصميم خطط واستراتيجيات التنمية المستدامة التي تضع مشاركة وحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في الحسبان.
المملكة العربية السعودية وضعت
برنامج دمج في مدارس التعليم العام
أما بالمملكة العربية السعودية فقد قامت بعض مدارس مدينة الرياض بإعداد خطة تربوية من قبل أقسام التربية الخاصة عبر ثلاث مراحل أساسية؛ هي مرحلة التشخيص والتخطيط، ومرحلة التنفيذ، ثم مرحلة التقويم والمتابعة. وانطلاقاً من توجهات وزارة المعارف السعودية - ممثلةً في الأمانة العامة للتربية الخاصة - نحو الارتقاء بمستوى أداء العملية التربوية والتعليمية وتفعيل دور قسم التربية الخاصة؛ قام المختصون بوضع برامج تربية خاصة في مدارس التعليم العام لكل عام دراسي، شملت العديد من الإجراءات التي نتج عنها وضع برنامج دمج في مدارس التعليم العام السعودي، وذلك في برنامج للتربية الفكرية، وبرنامج للصم وضعاف السمع، وبرنامج للمكفوفين، وبرنامج لصعوبات التعلم.
كما تعمل وزارة المعارف السعودية على اختيار المعلمين المتميزين من المعاهد وتوجيهم وتأهيلهم للمدرس؛ التي بها يمكن دمج طلاب التربية الخاصة مع أقرنهم الطبيعيين في المدرسة. كما تم تكوين لجان متابعة في كل برنامج، مكونة من الوكيل والمرشد الطلابي والاختصاصي النفسي ومعلم من البرنامج في المدرسة، لمتابعة الجوانب المختلفة للعمل على إثراء عمليات الدمج السعودية.
ومن المملكة العربية السعودية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة؛ التي تبذل جهوداً حثيثة لتوفير فرص تعليمية لذوى الإعاقة، ودمجهم في المؤسسات التعليمية، وإشراكهم في عملية التنمية؛ حيث تطبق الدولة شعار "لكل طفل الحق في التعليم". كما قضت قوانينها بدعم الخدمات التعليمية والسبل التربوية الخاصة لأصحاب الهمم لتفعيل دورهم التنموي في المجتمع بشكل كامل. ويضمن القانون الاتحادي لسنه 2006 بشأن حقوق المعاقين الفرص المتساوية لهم في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والتدريب والتأهيل، وتوفير جميع الخدمات في حدود قدراتهم وإمكاناتهم. كما تنص المادة 12 من القانون ذاته على كفالة الدولة لصاحب الاحتياجات الخاصة الفرص المتكافئة في التعليم في كل المؤسسات التربوية والتعليمية، والتدريب المهني، سواء ضمن الصفوف النظامية أو الصفوف الخاصة، مع توفير المنهج الدراسي بلغة الإشارة أو طريقة "برايل" ووسائل أخرى. وفي نوفمبر من عام 2006 وقعت دولة الإمارات اتفاقية حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة والبروتوكول الاختياري للاتفاقية. وفي عام2014 تم بدء تطبيق برامج الدمج في أنحاء الدولة والعمل على رفع الوعي العام بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع والتأكيد على مشاركتهم في التنمية الاجتماعية؛ فقد عملت الإمارات على تطوير النظام التعليمي الدامج، وافتتاح تخصصات فرعية لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة في مجالات التعليم العام والمهني والعالي، وتوفير معلمين مختصين في مختلف الإعاقات والمراحل، وافتتاح تخصصات فرعية لتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة من قبل الجامعات. وتشمل البرامج إرشادات للتعامل مع ذوي الإعاقة البصرية والسمعية، وبرامج تحديد المواهب، والتعرف إلى لغة الإشارة للصم واضطرابات اللغة التي يعانيها الأطفال. كما أنشأت وزارة التعليم في الإمارات مراكز دعم لمتابعة وتقييم التقدم الذي يحرزه هؤلاء الأطفال قبل وبعد دمجهم في المدارس. وتقدم هذه المراكز خدمات مختلفة؛ تشمل التشخيص الفردي للطلاب ذوي الإعاقة، وصعوبات التعلم، والتوصيات، ومساعدة أولياء الأمور على التعامل مع حالة الطفل، وتوجيه الوالدين إلى مصادر توفر لهما خدمات دعم مناسبة لحالة طفلهما.
القانون الإماراتي يلزم الدولة تقديم الفرص
المتكافئة في التعليم بالمؤسسات التربوية
والتعليمية لذوي الاحتياجات الخاصة
وقد أطلقت "مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم" مشروعاً وطنياً كبيراً لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع الإماراتي على كل المستويات الصحية والاجتماعية والتعليمية والبيئية، وضمان تكافؤ الفرص لهم في جميع مجالات الحياة.
إن دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع الأطفال الطبيعيين ستكون له آثار إيجابية؛ حيث إن الطفل المعاق عندما يشترك في فصول الدمج ويلقى الترحيب والتقبّل من الآخرين فإن ذلك سيمنحه الشعور بالثقة بالنفس، ويشعر بقيمته في الحياة، ويتقبل إعاقته، ويدرك قدراته وإمكاناته في وقت مبكر، ويشعر بانتمائه إلى أفراد المجتمع الذي يعيش فيه. كما أن الطفل المعاق سيكتسب مهارات أكثر لمواجهة الحياة، ويقل شعوره بالدونية، ويحقق التوافق النفسي الاجتماعي له ولأسرته بوجه عام.