وتعد مهمة تربية وإعداد طفل متوازن وناجح نافع لنفسه ومجتمعه وعلى قدر من الوعي الكافي تحديًّا كبيرًا يواجه كل أسرة وخاصة في ظل وجود عدة مؤثرات خارجية لا يمكن للأهل التحكم بها تؤثر بصورة أو بأخرى على شخصية الطفل، كما يحتاج التعليم في الطفولة المبكرة إلى العديد من المهارات والخبرات المختلفة التي تتوافق مع أعمار الأطفال في هذه المرحلة، ولتحقيق ذلك يجب اتباع استراتيجيات حديثة في التعليم واختيار ما يتناسب مع الطفل، ومن أهم هذه الاستراتيجيات هو المسرح التعليمي.
المسرح كأحد استراتيجيات التعلم المهمة في مرحلة الطفولة المبكرة:
يعد المسرح التعليمي أحد الاستراتيجيات التعليمية الحديثة فهو نمط من التعليم يعتمد على النشاط الذاتي والمشاركة الإيجابية للطفل والتي يقوم الطفل من خلالها باستخدام مجموعة من الأنشطة والعمليات العملية تحت إشراف المعلمة، كما أنه يعد واحدًا من الوسائل التربوية والتعليمية والتقنية على نحو نابض بالحياة من خلال شخصيات متحركة.
وهو ذلك المسرح الموجه للطفل سواء قام به الكبار أو الصغار، ما دام هو موجه للطفل، ويعد من أهم الوسائط في تربية الطفل لما يتضمن من معاني وقيم وأنماط جمالية تعمل على بلورة شخصيتة في جميع الجوانب. كما أنه أحد الأنشطة التربوية التي يؤديها الأطفال تحت إشراف مدرسيهم ومعلميهم ويسعى إلى توصيل رسائل تربوية وتعليمية للطلاب تساعد على تشكيل وعيهم ثقافيًّا ونفسيًّا وعلميًّا؛ لذلك فهو أداة تعليمية وتربوية في المقام الأول.
وبناءً على ما سبق لم يعد المسرح وسيلة للترفيه فقط، بل أصبح وسيلة فعالة للتعليم والتثقيف ونشر الأفكار وتكوين الوعي وصار يستخدم كأداة في مساعدة المعلمين وتدريس المواد ونقلها إلى الأطفال بأسلوب يعتمد على عنصري المتعة والتشويق.
ويجب أن يتوافر في المواضيع المقدمة عن طريق المسرح مجموعة من الشروط والضوابط مثل سهولة الحبكة، ووضوح الشخصيات والبداية المشوقة، وأن يحمل منظومة من الأفكار الخلاقة والقيم الأخلاقية، والإيجابية بالنسبة للمجتمع وأن يرتبط بما نقدمه من قيم وأعراف للثقافة العامة، وأن تكون مناسبة للمرحلة التعليمية التي تقدم لها من حيث المستوى اللغوي المناسب ومستوى الخبرة الحياتية كما أنه لابد من وضوح الفكرة بالنسبة للطفل.
المسرح التعليمي أحد الاستراتيجيات التعليمية الحديثة
الذي يعتمد على النشاط الذاتي والمشاركة الإيجابية للطفل
المسرح ودوره في مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال:
وتضم القاعة في مرحلة الطفولة المبكرة العديد من الأنماط المختلفة من الأطفال منهم الموهوب والمبدع والانطوائى، أو العدوانى أو الطفل ذوي الاحتياجات الخاصة ومنهم ذوي صعوبات التعلم، وغيرها من الأنماط المختلفة للأطفال، ومن خلال الخبرة الطويلة في الواقع الميداني كمعلمة رياض أطفال لم أجد وسيلة أكثر من المسرح في توصيل المعلومات للأطفال بطريقة تبهج الأطفال وتسعدهم وتدخل السرور عليهم وتجعله تجربة يتحاكى بها طول وقته لأبويه وإخوته وربما جيرانه، وبالتالي فمسرح الطفل يُعد من أكثر الوسائط الثقافية تأثيرًا وفاعلية وأكثر قدرة على التوصيل لفكرة النصوص الموجهة إليهم مهما كانت طبيعة هذا الطفل كون الأطفال ينجذبون بطبيعتهم إلى المسرح وبوصفه نوع من اللعب التخيلي الذي يجمع بين الفرح والمتعة الوجدانية فهو يعد نوعًا من أنواع التعلم ولكن مع فارق أنه مضاف إليه عنصر المتعة بما يناسب طبيعة الطفل، وفي ظل التصارع بين أولياء الأمور والأطفال على الوقت والدروس وضغط الأطفال نفسيًّا بشكل كبير جدًا مما أصبح معه للمسرح ضرورة قسوى للتنفيث عن الطفل.
المسرح ودوره في تنمية الوعي التربوي للطفل:
ويعتبر المسرح أحد طرق التعلم النشط وأحد الاتجاهات التربوية الحديثة التي لها تأثير إيجابي في العملية التعليمية، فهو ينقل المعلم من دور ناقل للمعلومات إلى دور موجه ويحول الطفل إلى مبتكر ومتعاون، كما أنه يعمل على تنويع فرص التعلم للأطفال، وتحويل المقررات الدراسية إلى ألعاب معرفية يتداولها الأطفال فيما بينهم؛ حيث يُسهم المسرح في تخفيف وتقليل أساليب التعلم المباشر والتقريري الذي يركز على مهارات الحفظ والتذكر مما يشعر الأطفال بسأم وملل من الدروس، كما أنه يعمل على مساعدة الأطفال على إثارة دافعيتهم وتشويقهم للتعلم وإحداث تغيرات سلوكية مرغوبة لديهم. ويكشف المسرح عن نواحي القوة والضعف عند الأطفال، ويوفر فرص النجاح ويشارك الطفل فى تقييم ذاته؛ حيث أنه يجعل التعليم خلاقًا ومفيدًا، ويعمل على تنمية المهارات الأدائية والحياتية والإنسانية وتقوية الأدوات التعبيرية، و يساعد المسرح على إثراء قاموس الطفل اللغوي وتنمية القدرة على التعبير.
مسرح الطفل أكثر الوسائط الثقافية تأثيرا
أو فاعلية وقدرة على توصيل الفكرة
المسرح ودوره في الوعي النفسي للطفل:
يهدف المسرح إلى تربية طفل سوي فهو نافذة يوضح لنا كيف ينمو الطفل عقليًّا ووجدانيًّا واجتماعيًّا ويعكس إدراك الطفل للعالم، ويمكن من خلال المسرح التعرف على الاستعدادات الإبداعية للطفل، كما أنه من أهم السبل للوصول إلى عقل ووجدان الطفل وتنشئته للتعامل مع هذه التقنية كفيل بتدريبه على كيفية التعامل مع الآخر، ويعمل المسرح كداعم نفسي للطفل ويوعيه ويعالج بعض المشاكل النفسية والسلوكية مثل الانسحاب والخجل والخوف والانطواء، ويساعد الطفل على الاندماج مع المجتمع من جديد.
المسرح ودوره في الوعي الاجتماعي للطفل:
ومن ناحية أخرى يهدف المسرح إلى تنمية العديد من المهارات الاجتماعية وتقدير الذات، فهو يقدم للأطفال دروسًا في التعاون والعطاء وعمل الخير وكيفية مواجهة المواقف الإنسانية، كما أنه يعلِّم الطفل التعاون والعمل معًا كفريق وغرس قيمة العمل الجماعي ولا يكون هو الأوحد. ويوعي الطفل عن أهم الظواهر الاجتماعية الموجودة مثل العنف والتحرش والتنمر وتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم بطريقة مبسطة، كما يعمل على بناء الشخصية وكسر حاجز الخجل ويجعله ينطلق أكثر بالحياة ويصبح عنده الكاريزما التي تجذب الأطفال إليه، ويعمل أيضًا على تنمية الفكر المنفتح على الحرية والخير والسلام، ومن خلال الواقع العملي نشاهد اختلاف كبير جدًا في شخصية الطفل قبل وبعد مشاركته على المسرح؛ حيث يؤثر على تطوير وبناء الشخصية، وعند عمل مسابقات يتحول ذلك إلى تنافس إيجابي يحاول الطفل فيه تحسين كل وسائل الإخراج والتعبير. وتوظيف المسرح في تشكيل وعي الطفل أساسي وليس الهدف منه هو تحويل الأطفال إلى ممثلين، ولكن الهدف هو تحويلهم إلى أشخاص فاعلين في المجتمع عندهم ثقة بأنفسهم وإبداع وتنمية خيال، ويحفظ هذا للطفل ذكريات جميلة تحفظ في الذاكرة لفترة طويلة من العمر. وفى ظل تنامي وزيادة شاشات ووسائط التكنولوجيا من ألعاب وأفلام عنف تتسبب في تنامي سلوك جامح لدى الأطفال مما يجعلنا نرجح عودة المؤسسات للاهتمام بمسرح الطفل الذي قد يعيد التوازن لسلوك الاطفال أمام هذا الاجتياح للوسائط التكنولوجية والإلكترونية.
وبالتالى يهدف المسرح إلى التنمية المجتمعية من خلال عرض المشكلات الموجودة في المجتمع عن طريق عرضها على المسرح ومناقشتها وهذا يخرجها من تابوت الخوف.
أهم المعوقات أمام المسرح التعليمي:
هناك العديد من المعوقات التي تحول دون تحقيق المسرح لأهدافه مثل عدم فهم ولي الأمر لأهمية هذا العمل فيظن أنه سوف يؤثر بالسلب على مستوى دراسة ابنه فيمنعه من المشاركة، وقد يرى أن المسرح هذا عمل هزلي لا يفيد، كما أن جداول الحصص التي تضغط على المعلمين تجعلهم لا يستطيعون ممارسة هذا النشاط، ولذلك كان لابد من تعزيز مكانة المسرح التعليمي وتوظيفه لتحقيق الأهداف التربوية، وغرس القيم الأصيلة وذلك من خلال نصوص تتلاءم مع المرحلة العمرية للأطفال، فمن يكتب مسرحًا للطفل يستطيع من خلال ما يقدمه من مضامين وأفكار أن يزود الأطفال بزاد ثقافي تربوي وسلوكي لا ينضب، ولذلك كثيرًا ما يلجأ إليه التربويون لبث مفاهيم أو قيم سلوكية أو أخلاقية لأن الطفل غالبًا ما يتقمص الشخصية التي يشاهدها. كما يجب ألّا يتوقف المسرح والتعليم المسرحي على وجود مسارح متكاملة بل يمكن أن يمارسها الطفل في أي مكان وأي وقت، ففي البيت يمكن أن يتقمص الطفل شخصيات مختلفة وأن يرتجل حوارات قصيرة يحتاج الأمر فقط لبيئة مشجعة وفي المدرسة أيضًا يمكن أن نصنع مكانًا لخشبة صغيرة يؤدي فيها الأطفال أدواراً مسرحية. كما أنه لابد من تدريب المعلمين على صياغة سيناريوهات للمسرحيات واكتشاف وتنمية مهارات الطلاب وتنميتهم وعمل ورش تدريبية للمعلمين وكثرة التدريب والممارسة وتبادل الخبرات، وأن تقوم المدارس بعمل مكتبة للمسرحيات للدروس المختلفة، كما أنه لابد من تقييم محتوى المسرحيات وتطبيق معايير التربية المسرحية، ولابد من الاهتمام بتقديم بحوث ودراسات تركز على الواقع الميداني وأن تتحول هذه الدراسات إلى خطط عمل مستقبلية لاستكشاف كل ما هو جديد في المسرح وتدريب المعلمين في ورش مسرحية وإنتاج الأطفال عروض بأنفسهم وإقامة ندوات لتوصيل أهمية المسرح ومحاولة تقديم الأفضل وتوفير الامكانيات المادية للمسرح ولابد من المساعدة في وصول المسرح إلى كل طفل فى كل مكان.
كما أنه لابد من وضع آليات لتنمية دور المسرح في الطفولة المبكرة وذلك عن طريق وسائل الاعلام، ولابد من وجود تقييم لمحتوى المسرح والمسرحيات حتى يظل تحت الرعاية التربوية ولا يتحول إلى منافسة فنية بين المخرجين ويتم احترام المعايير التربوية التي تعتبر الأساس في المسار التربوي الذي يؤدي للعرض ومساعدة الأطفال على ابتكار النصوص بأنفسهم.
المسرح لم يعد وسيلة ترفيه أو متعة فقط انما أداة تنوير
وفي النهاية نستطيع القول أن المسرح لم يعد وسيلة ترفية أو متعة في وقتنا الحالي بقدر ما هو أداة تنوير، ووسيط لنقل الفكر وبث الوعي والنهضة بالمجتمعات، كما أن المسرح يحتاج إلى تكاتف الجهود واعتبار المسرح ليس مناسبة بل هو بحث حقيقي في كل ما هو معرفي وتربوي، ويمكن القول أننا نطمح إلى مسرح بالطفل وليس مسرح للطفل فلابد من تفعيل دور الأطفال وتحفيزهم على كتابة النصوص المسرحية وإخراجها والإسهام بعرضها على خشبة المسرح.
مشاركة الاطفال على المسرح ليس هدفها تحويلهم إلى ممثلين
بل إلى أشخاص فاعلين لديهم ثقة وابداع وخيال
وختامًا يمكن القول أنه إذا لم يتعلم الطفل بالطريقة التي نعلمه بها ربما نحن بحاجة لأن نتعلم الطريقة التي يتعلم بها أطفالنا، وأن يكون المسرح جزء أساسي من يوم الطفل داخل مؤسساتنا التعليمية، كل ذلك يؤدي إلى زراعة بذور القوة في أطفالنا ويكون ذلك خيرًا لنا من أن نداوي رجالًا محطمِين فالعادات التي نكسبها للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة هي التي سوف تحدد لنا نوع الحياة التي سوف يحيونها. وبالتالى فإن تعزيز وتقوية دور المسرح لدى الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة من خلال إعداد القصص والمسرحيات ودمجها في المناهج ستمكن لا محالة من صناعة طفل على درجة عالية من الوعي يتماشى مع متطلبات المستقبل والألفية الجديدة.