يُعدُّ المسرح وسيلة فنية مباشرة للتواصل، ويمكن استغلاله لأغراض تتجاوز الأغراض الفنية لتدخل في صميم العملية التربوية؛ ليكون أداة فعل وعمل وتطوير وتغيير فعالة لغرس القيم الإنسانية النبيلة وتطوير قدرات الطفل الذاتية، وتزويده بالمعلومات والمعارف وتنمية ملكاته الإبداعية وتنمية الإحساس بالجمال لديه، وتنمية شخصيته بشكل متكامل وتحريره من الخوف والعقد التي تصاحب الطفولة.
الاهتمام بالطفل والعناية به من أولويات الشعوب المتحضرة والأمم الرائدة المتطورة، باعتباره المستقبل والبذرة التي تثمر في الغد نباتًا صالحًا يعود بالنفع على المجتمع، فالأطفال الذين يحملون أفكارًا نيِّرة قادرون على حمل مسئولية مجتمعهم في القادم من الأعوام وقيادة المستقبل بطريقة مثمرة؛ ولذلك يجب الاهتمام باستكشاف المواهب والمَلَكات الإبداعية للأطفال والناشئة وتهيئة المناخ المحفز للإبداع والإلهام وتغذيتهم بالخلفية المعرفية والتقنية والفنية، وذلك لإعداد جيل واعد مؤهَّل للانخراط في المنظومة الفكرية والثقافية العالمية. ولأن المسرح فن شامل علينا إدراجه ضمن البرامج التربوية، ففيه تنطوي مختلف الفنون البصرية من تصميم وتشكيل... وفنون العرض من موسيقا وكوريغرافيا... فالجمال المكتمل لا يتوافر في فنٍّ من الفنون بقدر ما هو عليه المسرح فهو الوعاء الجامع لكل الفنون.
ولتحقيق هذه التطلُّعات يجب الحرص على تهيئة المناخ الضروري الذي من شأنه تحفيز الطفل والكشف عن طاقته الكامنة وإتاحة الفرصة أمام ممارسة هواياته وتنميتها، وذلك بإشراف كوادر مؤهلة وضمن خطط مدروسة وتوظيفها بشكل جيد في استشراف مستقبل الشباب وجذبهم ناحية الفنون ووضعهم في قلب الفعل النهضوي، فطفل اليوم يعيش ظرفًا تاريخيًا يختلف تمام الاختلاف عن طفل الأمس وما أحوج المجتمعات الآن وخاصة في محيطنا العربي لهذا الفعل المستنير ذي الأهمية والقدرة على تثقيف المجتمع ووضعه في قلب الفعل الثقافي الحضاري وتقريبه من باقي الشعوب للارتقاء بالفكر الإنساني.
في مجال الكتابة:
يجب إشراك الأطفال في كتابة النصوص لأن الصغار لديهم وعي عميق بعالمهم ولديهم أفكارهم الخاصة، والكتابة للمسرح تجعل الطفل يتعامل مع القصص ويعرف مكونات البناء الدرامي فينمي ذائقته الأدبية ويتعلم كيف يحلل ما يقراه ويحوله إلى صور ذهنية ولوحات مسرحية وبالتالي توظيفها بصريا، وهذا حتما يفتح وعيهم على الأفكار الجديدة ويدربهم على التفكير الحر الخلاق وينمي ملكة التخيل لديهم وينشط تفكيرهم الذهني وذكاءهم الفطري، ويشحذ خيالهم ويعطيهم جرعة تربوية تساهم في إثراءهم فكريا وثقافيا.
إن تعلم أساسيات الكتابة الإبداعية مهمة وأساسية في نمو الطفل، فبواسطتها يتمكن من توظيف اللغة بالقدر الذي يجعلها طوع أمره وفي متناوله للتعبير والإفصاح عن أفكاره ومشاعره وإصابة مقاصده بدقة وتجعله يتفاعل ويتعامل مع النصوص بسهولة وتعزز قدرته على التحليل والتفكيك والتركيب وربط الأحداث، وهذا ما يدعم الذائقة الإبداعية والأدبية لديهم فالكتابة تحفز الأطفال على الإبداع وإطلاق العنان لمخيلتهم.
الإلقاء:
يتمتع الأطفال بطاقات فطرية ومواهب فنية في عدة مجالات خاصة في الإلقاء والحوار والعمل الجماعي والأداء الجسدي والقدرة على الارتجال، يساعد المسرح على تنمية هذه المهارات الإبداعية وحثهم على تفعيل خيالهم لاكتشاف قدراتهم ومواهبهم الكامنة في الإلقاء، وتدريبهم على الأداء الصوتي ومخارج الحروف وعلاقتها بالجهاز التنفسي، وتمكين مهارات الأطفال اللغوية وتشجيعهم على اعتلاء المنصات فالمسرح ينمي مهارات الخطابة والبلاغة ويثري حصيلته اللغوية مما يدفعه إلى التعبير بطلاقة وفصاحة.
تعلم تقنيات الإلقاء تساهم بقدر كبير في تكوين الكلمة وإصدار الأصوات عن طريق كم الهواء الداخل للرئتين، الذي يساهم في تقوية الصوت والاحتفاظ به لفترات طويلة تزداد مع التدريبات وذلك حتى يتمكن الطفل من مواصلة الحوارات أثناء العرض المسرحي، وتعرف الأطفال إلى تمرينات التنفس وأهميتها بالنسبة للإنسان، هذا إلى جانب وظيفة الحنجرة والحبال الصوتية ودورها في عملية الإلقاء، بالإضافة لتدريبات ثبات الجسد والقضاء على التوتر أثناء الإلقاء.
التمثيل:
إن إعداد الطفل ممثلا يجعله قادرا على فهم النص وتقطيعه وذلك لتأدية الأدوار وتجسيدها عن طريق التدريبات الجسدية الخاصة التي تحفز عقل الطفل مع الجسد ليستغلهما في الأداء، فبجانب الصوت يتعلم الطفل كيف يتحكم بجسمه ويطوعه ليصبح أداة تعبيرية سواء عن طريق الإيماءات واستعمال لغة الجسد أثناء التمثيل أو عن طريق الرقص والكوريغرافيا التي تنمي القدرات الجسمية وتكسبه المهارة البدنية واللياقة، فللمثل تمارين جسدية خاصة تنمي الذهن والجسد.
إن اعتلاء الخشبة والتمثيل يحتاج للكثير من الجهد والاطلاع والتدريبات المستمرة ومن بينها تمارين الإحماء واللياقة البدنية وتمارين التركيز وتمارين الصوت ... التي تعزز قدرات المؤدي في مجال التمثيل والأداء الحركي وتطوير مهاراته وتلعب دورا مهما في تنمية ذكائه وبناء شخصيته وقدراته الذهنية من خلال حفظ الحوارات وردود الأفعال والربط المنطقي بين الأحداث والمشاهد والشخصيات وبين الأداء الحركي واللفظي.
التمثيل يعلم الطفل الانضباط والجدية ويقضي على الخوف والتوتر لديه ويساعده على اكتشاف نفسه والإحساس بوجوده ويعلمه ضبط الإيقاع والتحكم بالنفس، ويكسبه ثقة في النفس وكسر حواجز الخجل والخوف وتعزيز العمل الجماعي ويمكنه من التعبير عن الذات بشكل سوي ويجعل لديه القدرة على الارتجال وسرعة البديهة والتصرف في المواقف المختلفة.
المسرح للطفل هو بيئة محفزة للتعلم واكتسب
المهارات وتنمية القدرات والارتقاء بالمشاعر
اكتشاف للمواهب المتعة والتعليم:
المسرح سلاح تربوي قوي ومفيد في توسيع مدارك الأطفال وترسيخ القيم في وجدانهم ويقدم لهم المتعة الحسية والفكرية، ومن خلاله يمكننا اكتشاف المواهب مبكرا والعمل على رعايتها وتوجيهها بشكل مستمر فالمسرح يوفر البيئة الجذابة والمحفزة لطاقات الصغار على نحو يمكنهم من تطويع مهاراتهم وإطلاق العنان لمخيلتهم وأفكارهم وينمي قدراتهم التحصيلية.
المسرح ليس للترفيه فقط بل هو بيئة محفزة وجذابة للعمل والتعلم واستثمار في الأطفال وتوظيف مهاراتهم وقدراتهم وصقلها فيما يفيد ويعود عليهم بتنمية ثقافتهم وإبداعهم وخلق فرص لتطوير أدائهم وأفكارهم وخبراتهم، وبالتالي يطور الجانب المعرفي للطفل وينمي تفكيره وذاكرته وينهض بأحاسيسه ومشاعره ومهاراته ويخلصه من الانفعالات الضارة والارتقاء بروح النقد البناء وتهذيب أخلاقه وسلوكياته وإثراء خياله، فعندما يفكر الطفل خارج الصندوق فانه يجمع بين الترفيه والاستمتاع من جهة والتعلم وإشاعة الفائدة من جهة أخرى.
إن ممارسة الأطفال للمسرح له تأثير كبير على الطفل سواء كان ذلك يتعلق ببناء شخصيته أم بتوسيع مداركه ورهافة حسه ليكون قادرا على التلاؤم وفهم ما يدور حوله من معلومات وتفسيرات وتقنيات وتساؤلات وغير ذلك، فالطفل بحاجة إلى أن يبدع يفكر يتخيل يتكلم يكتب يصحح يعلق ينقد يتواصل يعبر يتعلم... وهذا ما يوفره المسرح.
استثمار للمستقبل:
مسرح الطفل يتطلب الكثير وذلك لتأثيره وقدرته على تنمية مواهب الأطفال وإحاطتهم بالخيال والمتعة والابتعاد عن الأساليب التربوية المباشرة التي تعكس آثار سلبية على الطفل، إن علينا تأسيس برامج قادرة على التعامل مع الحالة التعبيرية الهائلة للأطفال وطاقتهم الإبداعية الخلاقة بالاستعانة بمهنيين مختصين وأساتذة متمكنين لتنفيذ هذه البرامج والإشراف على تدريس المسرح ليعكس آثار ايجابية في بناء جيل يعتمد على أخلاقه وثقافته وعلمه مؤمنا بما يقدم متفاعلا مع مجتمعه لبناء جيل مؤهل لاعتلاء مستقبل حافل بالنجاح، مما ينعكس على الوطن ويساهم في تنميته الحضارية.
إن الاهتمام بالطفل من الأولويات لأنه سيصبح بعد سنوات عماد الوطن القوي الذي سيأتيه محصننا بالمعرفة والعلم والثقافة من خلال تربيته وتوعيته في سبيل إعداد جيل قيادي ومؤثر ولا يتحقق ذلك إلا من خلال إعداد طرق مبتكرة للتدريس وتمرير المعلومة ومشاركة الطفل في الأنشطة العلمية والثقافية والرياضية والفنية التي تنمي ثقافته ومكتسباته من اجل خلق أجيال واعية مثقفة قادرة على تحمل المسؤولية والمضي قدما والتواصل مع الآخر.
المسرح يبني شخصية الطفل:
الحب الفرح الحزن الغضب كلها مشاعر تحتاج إلى عناية ومراقبة في حياتنا اليومية وما أكثر هذه المشاعر في المسرح فمن أساساته التفاعلات الحسية وضبطها والتعبير عنها بشكل صحيح ومناسب لكل موقف، فالطفل الممارس لأنواع الفنون وخاصة المسرح تكون لديه دراية بإدارة هذه المشاعر والتعبير عنها في المقابل هناك الكثير من الأطفال يعجزون عن القيام بأي تعبير انفعالي فمثلا يجدون صعوبة في التكلم خاصة في المواقف الاجتماعية الصعبة بسبب الشعور بالخجل والرهبة والخوف من التعرض للسخرية، ومن المهم للطفل فهم مختلف المشاعر وتعلم كيفية إخراجها والتفريج عنها.
الحياة الاجتماعية مليئة بالصراعات والدراما المسرحية مبنية على هذا الأساس ومن هذه الأخيرة ينمي الطفل ذكاءه العاطفي والاجتماعي لكي يحل الصراعات والعقد دون التسبب في ضغوط قد تأثر عليه سلبا ويصبح لديه دراية واعية بمشاعره والقدرة على تعديلها وتقبل احتمالات الصراع والتعرف على كيفية التعامل معها وهذا ما يدفعه باتجاه الاستقلالية واكتساب ثقته بنفسه واحترامه لذاته.
الفنون تأخذ بيد الطفل نحو التقدم والإبداع وإبراز الموهبة الكامنة لديه من خلال التفاعل مع أقرانه وتنمية الفعل الإدراكي والحسي لديه، وتحفز خياله وتكسبه مهارات التحدي والثقة في النفس وتزرع في الطفل الصفات البناءة وتحدث تأثير ايجابي في شخصيته لكي يحافظ على القيم والسلوكيات القوية والقيم النبيلة، فالطفل الممارس للفنون وللمسرح يتمكن صناعة الأفكار وضبطها وتحقيقها على ارض الواقع وسيجد من يصغي إليه فيتعلم فن الحوار ويكتسب القدرة على التعبير وطرح وجهات النظر ويجد العديد من الأدوات للتعبير عن الذات.
المسرح فن شامل يسهم في بناء شخصية الطفل بشكل متكامل
البعد الاجتماعي:
المسرح يحقق للطفل تفاعلا اجتماعيا نشطا مما ينمي حسه الاجتماعي ويبعده عن الانطواء والأنانية من خلال الأنشطة التفاعلية مع أقرانهم ويكسبه القدرة على التحاور بالإضافة لتطوير قدراته البدنية، وتعزيز ثقته بنفسه من خلال التعبير الحر والقدرة على مواجهة الجمهور، وتشجيعه وحثه على أهمية العمل الجماعي بروح الفريق ويعزز العمل الجماعي لديه وينمي مهاراته اليدوية والذهنية والفكرية والفنية.
المسرح فن شامل:
المسرح يتيح للطفل استعمال وسائط وأدوات تعبيرية متعددة: الصور، الألوان، الكلمة المكتوبة، الكلمة المنطوقة، المؤثرات الصوتية، الموسيقى، الغناء، التعبير الجسدي، التنسيق الحركي، التشكيل البصري، الألوان، الإضاءة، اللباس، الديكور، الماكياج، الإكسسوار... إلى جانب مهارات عديدة تشمل القدرة على التخيل والحماس والابتكار والتعاون والالتزام بالعمل الجاد إذن فهو بناء متكامل للطفل.