إن العنف المسلح في المجتمع الحديث يؤدي إلى قتل وجرح أشخاص أبرياء لا علاقة لهم بالخصم المستهدف، وهذا العنف يحدث لأسباب عدة منها: تكوين المناطق السكنية والمؤسسات العامة التي تقتضي تجمع عدد كبير من السكان في بقعة صغيرة، وبسبب طبيعة الآلات الحديثة والتجهيزات المنزلية والعامة، وبسبب الطبيعة الفتاكة للسلاح الحديث وتأثيره الواسع النطاق؛ قد يكون أعداد القتلى والجرحى بالمئات والآلاف، وتكون الخسائر المالية بالمليارات. كما يؤدي العنف المسلح إلى تدمير المرافق العامة للمجتمع، وتهجير الأهالي من مساكنهم وفقدانهم مصادر رزقهم وإتلاف أموالهم، ووهن سياسي ومعنوي للمجتمع. ويعد كل ذلك من أعظم المحرمات الشرعية التي حرمها كل من الكتاب والسنة والإجماع.
هناك أيضاً عنف مسلح يتميز في الثأر الذي يعد نوعاً من الانتقام الذي تنظمه أعراف محلية ترتبط ببني اجتماعية قبلية أو قرابية، وتهدف الأسر الثأرية منه إلى رد اعتبار القبيلة أو العائلة أو المجموعة العشائرية، وكأن الثأر يرد لها كرامتها ويحافظ على صورتها الذهنية لدى كل المواطنين، وبالتالي يترك آثاراً سلبية مثل الفزع وانعدام الأمن المجتمعي بين الناس والأطفال، بل يمكن أن يقطع صلتهم بالحياة العامة والنظام المدني الذي يحكمه القانون.
فلسفة العقاب
إن المتتبع للتاريخ القانوني يشهد أن الأصل في نشأة المجتمعات الحديثة يقوم على فلسفة رئيسة؛ وهى أن الدولة تنوب عن الأفراد في تنفيذ العقاب على كل من تسول له نفسه الإخلال بقواعد القانون والنظام والآداب العامة في المجتمع، وإرساء ما يُعرف بمبدأ "سيادة القانون" وسيادة الدولة على كل المواطنين، والتخلي عن صور العقاب الفردي التي تقوم على العادات والتقاليد والنزاعات الشخصية لأصحابها.
وقضية "الثأر" تعد من أسوأ المعتقدات والتقاليد التي ترفع من نسب جرائم القتل التي تتسبب في تيتّم العديد من الأطفال الذين يفقدون آباءهم، وبالتالي يعيشون حياة ملؤها الرعب والخوف وربما الإجرام، وهي معتقدات بالية وسلبية تأصلت منذ زمن قديم، وظلت تنتقل من جيل إلى جيل حتى أصبح الأخذ بالثأر من أقوى التقاليد سلطاناً، ويحظى بالتقديس من الأسر الثأرية من دون حاجة للمناقشة أو إخضاعه للمنطق رغم كل مساوئه أو آثاره السلبية. ومن الجدير بالذكر أن هذه المعتقدات ترسخت عند بعض الأسر، حتى أصبح من الأيسر عليهم ارتكاب الجريمة التي يجرمها المشرع احتراما للتقاليد التي تقضى بارتكابها.
ويأتي الثأر على قمة الأعراف الاجتماعية، ويؤثر في الأمن الأسري والطفولي والمجتمعي، إذ إنه يتخذ من الفقر والجهل أرضاً خصبة للاستمرار والبقاء، ترعاه البيئة المنغلقة على ذاتها، فحاز رضا من يؤمنون به، واعتبروه مكوناً من مكونات الكرامة، ودافعاً من دوافع البقاء. وقد رسخ من هذا ارتفاع نسبة الأمية وسيطرة الأعراف التي تخالف الطبيعة البشرية، كما هيأت الطبيعة الجبلية والزراعية المناخ أمام الجناة ليواصلوا وجودهم وممارسة نشاطهم، ولكن مع اهتمام السلطات بالتنمية والتقدم في كل القطاعات يبقى الأمل موجوداً في اقتلاع تلك الأعراف والتقاليد المدمرة.
الاستغلال الجنسي للأطفال "حيلة دفاعية" في مناطق العنف المسلح!

العنف والاستغلال الجنسي للطفل
العنف المسلح من أكبر وأهم أسباب ترك الأسر في مواقف شديدة الضعف، وإحدى آليات التكيف المستخدمة في بعض الأحيان هي زواج الأطفال، بخاصة عندما تكون موارد الأسرة شحيحة، فلا يمكن توفير الحماية من قبل الأسرة التي تزوجت فيها الطفلة. وبحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان، ارتفعت زيجات الأطفال بسبب هذا العنف في سوريا مثلاً بنسبة أربع مرات خلال عام واحد عما كانت عليه الحال قبل النزاع. ووفقًا ليونيسيف، تضاعفت زيجات الأطفال في البلدان المضيفة للاجئين السوريين ثلاث مرات. وفي لبنان، بلغت نسبة اللاجئات السوريات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 سنة وتزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة 40.5٪.
وتلقي بعض التقارير الضوء على اعتبار منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حالياً واحدة من أكثر المناطق اضطراباً في العالم؛ فهناك نزاعات وتوترات سياسية مستمرة في ستة بلاد: سوريا وفلسطين والعراق واليمن وليبيا والسودان، كما أن الاضطرابات السياسية مستمرة في بلدان أخرى.
وتشير تقديرات يونيسيف إلى أن أكثر من 70 مليون شخص من الفئات الضعيفة، بما في ذلك أكثر من 32 مليون طفل، كانوا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، وكانت المنطقة تشكل "أكبر تركيز للاحتياجات الإنسانية في العالم". وتستمر حالات الطوارئ من المستوى الثالث في العراق وسوريا واليمن، حيث تشكل الأزمة السورية أكبر أزمة لاجئين في العالم.
تعد هذه الحالات الاستثنائية خطيرة للغاية بالنسبة للأطفال الضعفاء؛ فعلى سبيل المثال يمكن استخدام العنف والاستغلال الجنسيين أسلوباً من أساليب الحرب، إضافةً إلى أنه يخلق صعوبات اقتصادية شديدة، ويحد من فرص التعليم والعمل؛ ما يعرض الأسر والأطفال الضعفاء للخطر.
إن من الصعب العثور على بيانات حول العنف الجنسي في الأزمات الإنسانية. لكن البيانات المحدودة الموجودة، التي من المحتمل أن تكون مجرد غيض من فيض، تلقي بعض الضوء على أنواع العنف الجنسي التي يعاني منها الأطفال في دول نزاعات الجماعات المسلحة بالمنطقة.. في سوريا، تم الإبلاغ عن 98 تقريراً تم التحقق منها. زعم أن 95 فتاة وثلاثة فتية تعرضوا للاغتصاب وأجبروا على الزواج بمقاتلين مسلحين، وتم الاتجار بهم واستعبادهم، أو الاعتداء عليهم.
في العراق، لم يتم التحقق من الحالات، ربما بسبب وصمة العار والخوف من الانتقام. في ليبيا لم يتم التحقق من أي حالات. في السودان تم التحقق من 68 حالة لفتيات تم استغلالهن جنسياً، بزيادة 55٪ مقارنة بالعام السابق. في اليمن، تم التحقق من تسع حالات استغلال جنسي لأطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و17 سنة في عام 2018.
بشكل عام، هناك احتياجات حماية قصوى في المنطقة بسبب الوضع الإنساني الصعب في العديد من البلدان. وفي أعقاب ذلك، يتعرض الأطفال في بعض أجزاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعديد من المخاطر وانتهاك حقوقهم، بما في ذلك الاستغلال الجنسي.
تجنيد الأطفال لاستخدامهم في مهمات عسكرية ولوجيستية مختلفة اغتيال لبراءتهم

تجنيد الأطفال
شهد المجتمع الدولي فى السنوات القليلة الماضية تنامي غير مسبوق لظاهرة تجنيد ومشاركة الأطفال في الحروب والنزاعات الدولية وغير الدولية، والتي أخذت منحى خطيراً جراء تصاعد النزاعات، بخاصة في الدول التي تعاني من اضطرابات سياسية أو عرقية كما هي الحال فى بعض دول القارة الإفريقية والآسيوية وأمريكا الجنوبية، حيث تلجأ الميليشيات المسلحة والقوات شبه العسكرية، بل بعض القوات الحكومية، إلى تجنيد الأطفال وتدريبهم لاستخدامهم في مهمات عسكرية ولوجيستية مختلفة.
على الرغم من المعاهدات والقوانين والقرارات الدولية التي تم اتخاذها لمنع وتجريم مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة، كونها جريمة تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان الأساسية، فإنها لم تتمكن من الحد من تفشي الظاهرة التى وصفتها تقارير المنظمات الدولية بأنها "مفزعة"، ليُصبح العالم فى انتظار أجيال من الأطفال والشباب على مستوى من العنف والإرهاب أشد مما يشهده العالم اليوم.
يجري تجنيد الأطفال على أيدي الجماعات الإرهابية والجماعات المتطرفة العنيفة في بلدان جميع أنحاء العالم، بخاصة في وقت النزاع المسلح؛ ما يؤدي عادةً إلى استغلال الأطفال وإيذائهم بصرف النظر عن الظروف المحيطة. وعلى الرغم من أن تجنيد الأطفال على أيدي الجماعات المسلحة له تاريخ طويل، فإن تجنيدهم على أيدي الجماعات الإرهابية والجماعات المتطرفة العنيفة يشكل ظاهرة حديثة، ويشهد تطورات ملحوظة خلال العقود الأخيرة، وصار يتسم بالتعقيد وتعدد الأوجه. ويبدو أيضاً أن الأطفال لا يجندون جنباً إلى جنب مع البالغين فحسب، بل يُستهدفون على وجه الخصوص، إذ إن استخدام الأطفال يوفر مزايا شتى للجماعات، من حيث استغلال الجماعات الإرهابية والجماعات المتطرفة العنيفة الأطفال من أجل تعزيز ظهورها.
هناك ظروف ينظر فيها المجتمع إلى الجماعات المسلحة العنيفة على أنها خط دفاعي ضد التهديدات بالعنف من جماعات مختلفة، أو من الدولة نفسها أحيانا، وفي ظل هذه الظروف قد تتوقع العائلة أو المجتمع المحلي أن ينضم الأطفال إلى صفوف الجماعة، بل قد تدفعهم العائلة نفسها إلى ذلك.
عندما توجد جماعة غير تابعة للدولة لا تتمتع بشعبية بين السكان أو حتى بدعم جغرافي واسع النطاق، قد يكون من الصعب تجنيد البالغين من أجل القضية، وفي بعض الحالات يكون تجنيد الأطفال أيسر على الجماعات المسلحة، ويكفل مواصلة توسيع قاعدة قوتها على الرغم من تناقص الدعم لها.
في بعض الحالات يتم تجنيد الأطفال قسراً، وفي حالات أخرى يقوم القصّر أنفسهم بالتسجيل لأنهم وعائلاتهم بحاجة إلى الراتب الذي يُصرف لهم من تلك الجماعات المسلحة. كما ينضم البعض لأسباب أيديولوجية، أو بسبب ولاءات عائلية وقبلية. وفي بعض الحالات يتم إرسال الأطفال إلى خارج وطنهم للقتال بوصفهم مرتزقة في صراعات أخرى.
لقد تعقدت محاولات وقف تجنيد الأطفال بسبب خليط الجماعات المسلحة العاملة في كل مناطق سوريا مثلاً؛ ففي عام 2019، وقعت قوات سوريا الديمقراطية اتفاقية مع الأمم المتحدة لإنهاء تجنيد الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، وإنشاء عدد من مكاتب حماية الأطفال في منطقتها ولكنها لم تنجح. كما أن هناك إخفاقاً واضحاً داخل منظومة الأمم المتحدة فيما يتعلق بحماية الأطفال من المشاركة فى النزاعات المسلحة؛ حيث كان تركيز المجتمع الدولي على رد الفعل للحالات التي يُستخدم فيها الأطفال جنوداً، وعلى نزع السلاح والتسريح والتأهيل وإعادة الدمج، وليس على القضاء على جريمة استخدام الجنود الأطفال، وكأنه يحاول إصلاح ضرر المتضريين بدلاً من الحماية من وقوع الضرر.
الدليل على قصور الجهود الحالية لمنظومة الأمم المتحدة في معالجة استخدام الجنود الأطفال هو نقص الاهتمام الموجه لحماية الأطفال، ومنع تجنيد واستخدام الأطفال في النزاع المسلح في اتفاقات السلام؛ فمنذ اعتماد اتفاقية حقوق الطفل في عام 1989، تم التوقيع على 180 اتفاقاً للسلام بين الأطراف المتحاربة، ومنها 10 اتفاقات فقط احتوت على أحكام بشأن المحاربين الأطفال.
ضرورة حماية الطفل
إن من حق الأطفال حمايتهم من هذه الجماعات بكل وسيلة ممكنة، وفي حالة الأطفال الذين تضرروا نتيجة تجنيدهم واستغلالهم من جانب الجماعات المسلحة أو الجماعات الإرهابية المتطرفة العنيفة، من الواجب تعويضهم بشكل من أشكال الجبر، والعمل على بذل أقصى الجهود على الجبر النفسي وإعادة التأهيل البدني والنفسي، والترضية بالعمل على محاكمة الأشخاص الذين جندوا هؤلاء الأطفال أو استغلوهم والتدابير الرامية إلى عدم التكرار؛ أي حماية الأطفال من إعادة تجنيدهم أو استغلالهم من جديد.
إن هذه الظاهرة تحولت إلى كارثة مع تنامي ظهور الجماعات الإرهابية والتنظيمات المتطرفة العنيفة التي يتقدمها تنظيم "داعش" فى العراق وسوريا و"القاعدة" فى أفغانستان واليمن، و"حركة الشباب" فى الصومال، و"بوكو حرام" فى نيجيريا وبعض دول غرب إفريقيا، وغيرها الكثير من الجماعات الإرهابية التي تُتقن تجنيد الأطفال من خلال برامج مثل "أشبال التنظيم" و"الأطفال المفخخة" لضمان استمرارية أفكارهم المتطرفة لأجيال متعاقبة، والاعتماد عليهم في تنفيذ هجماتهم، في ظل تزايد الضربات الأمنية ضدهم والهزائم المتتالية التي أدت إلى تناقص أعداد المسلحين خلال السنوات الأخيرة.
هنا تجدر الإشارة إلى أن تجنيد الأطفال لا يقتصر على المناطق المنكوبة بالنزاعات المسلحة، فهناك أعداد متزايدة من الأطفال يرحلون من دولة إقامتهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابية والجماعات المتطرفة العنيفة بُغية الانضمام إليها، وقد يرحل هؤلاء مع أسرهم أو بمفردهم، وغالباً ما يكون من الصعب الحصول على بيانات شاملة عن مشاركتهم فى الأعمال العدائية.
أمام هذه الحقائق والأرقام الصادمة، يدق ناقوس الخطر جرّاء تعرض آلاف الأطفال لانتهاكات جسدية ونفسية من خلال عمليات العنف المسلح بكل أشكاله وفروعه، فى ظل تراخي المجتمع الدولي وعدم وجود استجابات جادة لمنع هذه الظاهرة التي تشكل انتهاكاً للقوانين الدولية. لذا ينبغي على المجتمع الدولي أن يتخذ الإجراءات اللازمة لدعم ومساندة الدول في حربها ضد الإرهاب؛ بهدف قطع الطريق على محاولات التنظيمات الإرهابية باستخدام العنف المسلح أو تجنيد الأطفال، وتشريع قوانين أكثر صرامةً لمحاسبة المسؤولين عن عمليات التجنيد تلك، مع اتخاذ تدابير ملموسة وفعالة نحو إعادة تأهيل ودمج الأطفال الجنود الذين اشتركوا في العمليات المسلحة في المجتمعات المختلفة، إلى جانب النهوض بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع بهؤلاء الأطفال إلى لمشاركة في النزاعات المسلحة، وضرورة تكاتف جهود الأجهزة الأمنية والمؤسسات التربوية وأجهزة الإعلام لتحجيم سقوط الأطفال في أيدي المتطرفين والإرهابيين.