الملخص: الأطفال المهمشون يعانون من الحرمان من طفولتهم، ويحتاجون إلى عناية خاصة وحماية قانونية، وأن نمنحهم الأمان والفرص العادلة في حياة تسهم في حسن تنشئتهم. هذه الفئات من الأطفال يعيشون على ضفاف الحياة بفعل ظروف معينة، ومن المهم دراسة هذه الفئات لمساعدتهم والوقوف بجانبهم، بما يسهم في تهيئة الاستقرار النفسي، أو العائلي، أو الاجتماعي، أو التمدرس لهم، وبناء شخصيتهم، بما يمكنهم من تقبل الحياة والاندماج في المجتمع.
هذه القضية تعد قضية مجتمعية، حيث يطول التهميش عشرة فئات من الأطفال منهم: الأطفال الأيتام، والأطفال من ذوي الإعاقة، والأطفال المشردون، والأطفال غير الشرعيين، والأطفال المتكفل بهم، والأطفال الممزقون عائلياً، والأطفال النازحون واللاجئون، والأطفال الفقراء، والأطفال غير المتعلمين. ومن الأهمية التأكيد أن ظاهرة التهميش ظاهرة مؤسفة، لأنها تحرم الطفل من مباهج الحياة، كما أنه يأخذ شكل الحرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة، خاصة أن أعداد هذه الفئات بالملايين، ويجب أن نضمن لهم حقوقهم حتى لا يضطروا للجنوح.
الأطفال المهمشون، أو المحرومون أو المهملون اجتماعياً، ظاهره مؤسفة لأن التهمش هو حرمان للطفولة ولمباهجها، كما أنه يأخذ شكل الحرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة. ولأن الطفولة تتطلب عناية خاصة وحماية قانونية مع حسن تربية الطفل وتكوينه؛ فإنها لا تكون قضية الطفل وحده، وإنما هي قضية المجتمع بكامله. ويشمل التهمش عدة فئات؛ يعيشون كلهم على ضفاف الحياة، بفعل ظروف موضوعية وأخرى ذاتية وفي كثير من الأحيان تكون بفعل فاعل، لكننا جميعا في النهاية معنيون بهذه الفئات.
"الأطفال الفقراء يضطرون إلى ترك التعليم وهم في سن اللعب"

أولاً: الأطفال الأيتام
الطفل اليتيم كان يجد السند في أفراد عائلته، وفي ظل تحولات الحياة الاجتماعية، أو ربما الضيق المادي، حصل تضييق للأسرة وتباعد بين الأقارب، حتى أضحى مستحيلاً وجود متكفل بالأيتام من بين أولئك. ومع العلم أن الملاجئ تحاول التكفل بهم، فإنها لا تستوعب جميع الأيتام، ولا تشبع كل حاجاتهم، كما أنها لا تغطي كل المناطق.
ثانياً: الأطفال المعاقون
إن كلمة معاق تعني كل طفل غير قادر على العيش بشكل طبيعي، ولا يستطيع تأمين متطلباته بشكل كامل أو جزئي، وذلك بسبب نقص خلقي أو غيره في قدراته الجسمية أو الذهنية. كما أنه لا يمتلك القدرة على التعايش بشكل طبيعي في المجتمع.
ثالثاً: الأطفال الفقراء
هناك شرائح من الفئة الفقيرة التي تشترك فيها جميع الدول. والتفاوت بين الطبقات الاجتماعية هو سبب تزايد هذه الفئة. كما أن أكثر المتضررين هم الأطفال الذين يحرمون من أبسط حقوقهم، فيضطرون غالباً إلى ترك المدرسة في سن مبكرة، أو عدم دخولها مطلقاً من الأساس، ليبدؤوا العمل وهم في سن صغيرة، سن اللعب، أو يضطروا إلى التسول أو التشرد أو الجنوح. ومن المعلوم أن معظم الأطفال المحالين إلى القضاء هم من الفئة الفقيرة، والأفعال المرتكبة معظمها سطو أو سرقات بهدف تأمين حاجة الطفل للعيش، ولعل هذا يكفي لبيان أبعاد الفقر وأثره في الأطفال والمجتمع.
رابعاً: الأطفال غير المتعلمين
من المؤسف أن الدول العربية تحتل المراكز الأولى في قائمة أعلى نسبة للأمية مقارنةً بدول الغرب، ولاسيما بين الإناث. من المؤكد أن المدرسة تقدم للطفل نصيباً من التربية والاندماج. كما أن الأنشطة المدرسية تساعد الطفل على تفريغ طاقته، وتساعده على التخلص من شرور الكبت والضغط النفسي. كما أن الطفل يقضي معظم أوقاته داخل مدرسته؛ ما يحصنه من الارتماء في أحضان الشارع ومخاطره.
"الأطـفـال الـمـشـردون يـنـشـؤون أحيـاء عشـوائـيـة
وبيئات غير سليمة خاصة بهم تمثل خطراً على المجتمع"

خامساً: الأطفال المشردون
التشرد المتزايد ظاهرة خلفتها عدة أسباب، منها الأزمات الاقتصادية أو انخفاض الدخل، وغير ذلك. يتمركز أغلب المشردين في المدن الكبرى، كما أنهم انشأوا أحياء عشوائية وبيئات غير سليمة خاصة بهم.
ومن المؤسف أن المجتمع ينظر للمشرد بغير مسؤولية ولا وعي لمخاطر هذا الأمر. إن الطفل المشرد يشكل خطراً أولاً على نفسه ومستقبله، وثانياً على المجتمع، فربما يضطر للسرقة لسد متطلباته، فهو لا يتمتع بالوعي ولا يتقيد بضوابط المجتمع. كما أن معظمهم غير متعلمين ولا ينخرطون في المجتمع بشكل سليم، وهذا يشكل خطراً على مستقبلهم.
سادساً: الأطفال النازحون
دعونا نتفق على أن التشرد المتزايد قد يكون بسبب النزوح أيضاً. والأطفال النازحون يشكلون الخطر نفسه الذي يشكله الأطفال المشردون. ربما يحدث التشرد داخلياً بحثاً عن الااستقرار أو مصدر للرزق، وقد يكون خارجياً من دولة إلى أخرى، ولهذا أسبابه المختلفة. ومن المعلوم أن الطفل يعاني عند تغيير محيطه الاجتماعي، وقد يعاني من عدم الانداماج، أو من صعوبة في تقبل ثقافة المنطقة التي نزح إليها؛ فاختلاف الثقافات كثيراً ما يخلق لدى الطفل تمزقاً في تكوينه، فهو عادة لا يحتفظ بهويته الثقافية الأصلية، كما أنه لا يستسلم بالكامل لثقافة البلاد إن كانت أجنبية، وهذا يؤدي إلى تشتته وتمزق هويته الثقافية والعقائدية ويعرضه للتهميش.
سابعاً: الأطفال اللاجئون
المعاناة مشتركة بين هذه الفئة وسابقتها؛ فهي الحرمان من الاستقرار. ولكن هذه الفئة تتميز بالحرمان من حق المواطنة. هناك فئات كبيرة من النازحين أجبروا على النزوح من موطنهم بحثاً عن مكان آمن. وتتعدد أسباب النزوح من الحروب الداخلية إلى حروب سياسية أو نزاعات أهلية.. إلخ، حتى صار العالم يعج بملايين اللاجئين. ومن المعلوم أن أكبر المتضررين هم الأطفال مهما يكن سبب اللجوء، وهم يخرجون منهكين نفسياً بسبب أوضاع معينة أو حروب، ليجدوا أنفسهم في حضن غريب يصعب عليهم التعايش معه.
"الأطفال النازحون يخرجون من أوطانهم منهكين نفسياً
إلـى حـضـن غـريـب يـصـعـب عـلـيـهـم الـتـعـايـش مـعـه"

ثامناً: الأطفال الممزقون عائلياً
تفكك العلاقات الأسرية قد يكون سببها وفاة أحد الأبوين أو كليهما، أو نتيجة انفصال الزوج أو الزوجة، وغالباً تكون النسبة الأكبر انفصال الزوجة بسبب طلاق أو هجر أو تعنيف الأسرة؛ المساهم الأول في تكوين الطفل كما أنها ملاذ الأمان وفيها العطف والمودة والااستقرار، وحين تتفكك الأسرة تتسبب عادة في أزمات نفسية واجتماعية للطفل.
تاسعاً:الأطفال غير الشرعيين
تفاقمت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة، وسبب تفاقمها هو الانفتاح اللامحدود، الذي يصل غالباً إلى حد الانحلال، لتزداد جرائم العرض والاغتصاب. وما زاد الأمر سوءاً هو الأزمات المادية، التي جعلت بعض الفتيات تضطر إلى بيع عرضها، إما لكسب لقمة العيش، أو بحثاً عن الثراء، ليتسبب ذلك في ولادة الأطفال غير الشرعيين. ومن المعلوم أن الزواج هو المجال الشرعي للتناسل، كما أنه وسيلة لإثبات النسب.
الطفل غير الشرعي هو ضحية خطأ الوالدين، وإذا سمحت الظروف لبعضهم بالحصول على مأوى فمن الممكن أن يضمن لهم الرعاية لفترة محدودة، ولكن النتيجه ألحتمية هي الاضطرار إلى الخروج ومواجهة المجتمع بهوية "ابن غير شرعي" لتبدأ رحلة بحثه عن وطن لا يعترف أفراده بأمثاله، ويصر على حرمانهم من أبسط حقوقهم؛ ما يتسبب لهم في أزمات نفسية مهولة، فهم وحدهم من يتحملون عواقب هذا الخطأ، وما زاد الأمر سوءاً هو أن المجتمع يحاربهم وينبذهم.
عاشراً: الأطفال المتكفّل بهم "المتبنّون"
إن الأطفال المتكفل بهم أو "المتبنون" هم من أبعدوا عن أسرهم الحقيقية، والمحظوظون منهم من يجدون أسرة أخرى تتكفل بهم، ولكن هل يندمجون في أسرتهم الجديدة؟ وهل يحق لهم ما يحق للطفل ذي الظروف الطبيعية؟.. إن الكثيرين من الأطفال المتبنين يتعرضون لأصناف من المعاناة، وذلك لأن الطفل المتبنى عادة لا يحمل اسم الأسرة التي تكفلت به، وعندما يبلغ ويعرف حقيقة الأمر وأنه لا ينتسب إلى هذه الأسرة تتولد لديه صدمات نفسية.

وما الحل؟
إن أعداد هذه الفئات المهمشة بالملايين، ولكن الأسواء لهؤلاء الأطفال هو الاستمرار في تجاهلهم، فهم يتعرضون للاانتهاكات والتجاوزات، وبخاصة أولئك الذين يعيشون من دون هوية، فهم يسقطون ضحية سهلة لكل أنواع الانتهاكات، ويجب علينا ألا نتجاهل وضع هذه الفئات، لاسيما أن الكثيرين منهم يتعرضون للاستبعاد اجتماعياً وتعليمياً.
إن من حق هذه الفئات العيش في حياة طبيعية. كما يجب إعادة تأهيل الطفل الجانح لا عقابه، لأن الطفل الجانح من هذه الفئات هو طفل مريض وليس مجرماً. هم لم يستطيعوا التكيف مع الواقع، ويجب أن تحصل كل فئة منهم على دراسة خاصة لنساعدهم ونقف بجانبهم، ونوفر لهم الأمان كي لا يضطروا إلى الجنوح.
يجب العمل على تحقيق فرص عادلة لكل فئة من هذه الفئات؛ فهم يعانون من عدم الاستقرار النفسي أو العائلي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي. وفي المرتبة الأولى عدم رفض التعليم لهذه الفئات مهما تكن؛ فالتعليم يساعدهم على التفكير والتجاوب وتقبل نواميس الحياة الاجتماعية وضوابط المجتمع، والمدرسة تساعد أيضاً على بناء شخصية الطفل والتربية السليمة.