ما التحرش؟
هو كل قول أو فعل فيه اعتداء على شخص آخر بطريقة مهينة، ويؤدي إلى انتهاك للمساحة الشخصية له، فالتحرش هو الأفعال التي تؤدي إلى الإيذاء النفسي والجسدي والجنسي وغيرها من أشكال الإيذاء الأخرى، وغالباً ما تكون الفتيات والنساء والأطفال أكثر عرضة له، ويترك التحرش في نفس المتحرَّش به أثراً بالغ الصعوبة، ويجعله يشعر بمشاعر سلبية كثيرة ومؤلمة تجاه نفسه وتجاه المجتمع بأسره.
أنواع وأشكال
هناك عدة أنواع وأشكال من التحرش؛ فهناك التحرش اللفظي من خلال مضايقة الفتيات والنساء ببعض الكلمات الخارجة، التي تصف مفاتنهن بشكل وقح، مما يؤذى المتعرضة للتحرش نفسياً بشكل كبير، فقد تكره شكلها وتشعر بأن بها خطأ ما وأن مظهر جسدها هو السبب فيما تتعرض له. وهناك ايضاً التحرش البصري بأن يتعمد المتحرش أن يجعل الفتاة ترى شيئا يزعجها أو شيئاً خادش للحياء، أو ينظر لها بطريقة غير لائقة. وهناك التحرش الجنسي أو الملموس، أي أن يقوم المتحرش بلمس الفتاة أو المرأة متعمدًا اعتقاداً منه أن الأمر قد يروقها أو أنها قد لا تمانع حدوثه. وقد يؤدى إلى آثار سيئة، منها انزواء الفتاة في المنزل وهروبها من كل ما يؤدي إلى تعرضها للتحرش، ويجعلها تكره المجتمع الذي عرضها لهذا الامتهان.
تعددت الأسباب
يرجع التحرش لأسباب عدة؛ منها عدم حضور الوازع الديني، وعدم وجود دليل أو شواهد على ارتكاب مثل هذه الأمور، فبالتالي فإن المتحرش لا يخاف من شيء ولا يخشى العقاب، وقد يظن المتحرش أن جسد الفتاة التي أمامه هو ملك له، أو يفسر سكوتها الذي قد ينجم عن الخوف أو الخجل بأنه موافقة على ما يفعله، وقد يفسر أيضا ارتداءها ملابس معينة بأنه رغبة منها في أن يقوم بالتحرش بها. وإضافة لما سبق فهناك عديد من المسببات لحدوث التحرش؛ منها الأسباب الاجتماعية، حيث قد ينتج عن تربية الذكور على أنهم سيصبحون رجالًا بدرجة تحكمهم في المرأة أو أنهم أعلى درجة من النساء. كما أن هناك بعض الاعتقادات التربوية التي تُمهد لحوادث التحرش الجنسي منها فكرة عدم خروج المرأة من بيتها، وأن نزولها للشارع بمثابة دعوة منها للتحرش بها. ومع الأسف فقد أسهمت الدعوة المتمركزة على المرأة، ولباسها، وعطرها، ومشيتها، في نشر هذه الفكرة السلبية التي تُحمِّل المرأة والفتاة عبء التحرش بها. وقد ينجم التحرش أيضاً عن تربية النساء على أنهن مخلوقات لخدمة الرجل وأنهن أضعف وأقل منزلةً منه، مما يجعلها تغض النظر عن الكثير من الإساءات الجنسية واللفظية، وتخشى الإبلاغ عن حوادث التحرش التي تتعرض لها. كما يزداد التحرش حدة نتيجة غياب دور الوالدين وإهمال تربية الأبناء تربية سليمة وعدم مراعاتهما للمسؤولية التي كلفهم الشرع بها.
وقد ينجم التحرش أيضاً عن أسباب مرضية؛ مثل الاضطرابات والمشاكل النفسيّة التي تدفع المتحرش إلى جريمته؛ مثل تقديره المتدني لذاته. فقد يكون المتحرش مر بتجارب أليمة في طفولته، مثل المشاكل الأسرية، أو بسبب تعرضه للتحرش أو للاغتصاب، ويكون رد فعله لمعالجة نفسه أو التخفيف من توتره هو الثأر من الآخرين عن طريق التحرش بهم أو اغتصابهم.
كما أن غياب القوانين الرادعة للتحرش، تزيد من نسبة وقوعه وكذلك عدم تفعيل تطبيق هذه القوانين. كما أن عدم توعية العامة بعقوبات التحرش في حالة وجودها يعمل على استمرار الجريمة، فمن الجائز جدًا أن يجهل المعتدي وجود عقوبة من الأساس. كما أن التساهل من قِبل الضحية وأسرتها والمجتمع يساعد على استمرار التحرش.
"يجب احتواء الطفل الضحية وغمره بالحنان ومنحه الطاقة الإيجابية"

ضحايا للتحرش من الأطفال
تُعد قضية التحرش بالأطفال من القضايا التي تم تسليط الضوء عليها في الفترات الأخيرة، لما لها من أهمية في حياة الأفراد، ونفسيتهم، ولهذا لا بد من حماية أبنائنا من التعرض للتحرش الجنسي، وإذا حدث أن تعرض الطفل لهذا الأمر، فلا بد من إيجاد طرق العلاج الفعالة، التي تساعد على التخلص من آثار التحرش، وأن نقدم للطفل التوعية اللازمة، حتى لا يتعرض له مرة أخرى.
ويتم التحرش الجنسي بالأطفال عن طريق سيطرة المتحرش على الطفل لإشباع رغباته الجنسية، سواء عن طريق لمسه أو حمله وإجباره على لمس المتحرش. أو إجباره على ممارسة الجنس من خلال إثاره الخوف والرعب لديه، وإرهابه حتى يخضع له. وقد يحدث التحرش في شكل اعتداء بصري باجبار الطفل أحياناً على مشاهدة الصور الجنسية والأفلام المثيرة أو تجريده من ملابسه، أو إجباره على رؤية مشاهد غير لائقة. وقد يحدث أيضاً في صورة اعتداء شفهي من خلال الكلمات الجنسية الفاضحة، التي يتم توجيهها إلى الطفل.
آثار تعرض الطفل للتحرش
لمعرفة ما إذا كان الطفل قد تعرض للتحرش الجنسي أم لا، قد تظهر عدة علامات وآثار على الطفل المتحرش به جنسيا، منها بعض الآثار النفسية، مثل انعزاله، أو شعوره بالاكتئاب، أو ميله للعنف وللعدوان، أو إيجاد صعوبة في النوم. وقد ينتاب الطفل الشعور بالكره تجاه المتحرش، أي ينفر من مقابلته أو الوجود معه في المكان نفسه، ويقل تركيزه، ويتأخر دراسياً. وقد يعاني الطفل أحياناً من النشاط الجنسي الزائد تقليداً للمتحرش. وقد يفقد الطفل ثقته بنفسه، ويشعر بعدم الأمان في المجتمع، ولا يتقبل أعضاءه التناسلية، ويرفضها تماما، ويشعر بالكره تجاهها بشكل عام. كما يشعر الطفل بأنه شديد العجز، وفاشل في حتى أن يدافع عن نفسه ضد المتحرش. وقد يعاني الطفل من اضطرابات سلوكية، مثل قضم الأظافر، أو السرقة، أو التحرش بالآخرين.
كما يعاني الطفل من الكثير من الأضرار الجسدية عقب عمليات التحرش، مثل عدم قدرته على الجلوس، أو المشي، وقد يصاب بالتبول اللاإرادي، وقد يحدث له الكثير من الأوجاع في الأعضاء التناسلية.
وبشكل عام فالتحرش يعد كارثة في حياة الطفل النفسية والجسدية، قد يتسبب في تدميره نفسياً، وانطوائه على نفسه، وكرهه للناس.
علاج الطفل من آثار التحرش
يجب أن يتم علاج الطفل عضوياً ونفسياً واجتماعياً، حيث يجب في البداية زيارة الطبيب، لمعرفة ما إن كان قد أصاب أعضاءه التناسلية ضرر أو مشكلات، من أجل علاجها. كما يجب احتواء الطفل وغمره بالعطف والحنان، وإشعاره بالأمان، ومنحه الطاقة الإيجابية. كما يجب تجنب الخوف البالغ على الطفل، والتشديد عليه، وكبت حريته، ومعاملته بطريقة مشددة، فذلك يشعره بالضعف، وقد ينتابه الشعور بأنه هو المذنب فيما حدث له وأنه يُعاقب عليه، بل يجب تشجيعه على الاندماج أكثر مع المجتمع وعلى الانشغال بشيء مفيد، مثل ممارسة الرياضة، حتى يشغل عقله بأشياء جديدة تنسيه التجربة السيئة التي مر بها.
كما يجب عقاب المتحرش بالشكل القانوني، وعدم تجنب ذلك خوفاً من نظرة المجتمع للطفل أو تجنب الفضيحة. كما يجب أن يعرف الطفل الضحية بذلك، حتى يشعر بالأمان عندما يعرف أنه نال جزاء إساءته له. وهنا تظهر أهمية دور الأسرة في تشجيع الطفل على البوح بما حدث له، حتى لا يتمادى المتحرش في انتهاكاته للطفل. كما يجب أن تكون الأسرة ملمة بالتربية الجنسية السليمة للطفل، حتى يمكنها توعيته وحمايته، وحتى لا يكون معرضا بشكل كبير للتحرش الجنسي.
حماية ووقاية
تعرض الطفل للتحرش يسبب له الكثير من الآثار السلبية نفسياً وعضوياً واجتماعياً، ورغم التدخل بالعلاج المناسب مع الطفل ؛ فقد تظل هذه الآثار السلبية راسخة في شخصيته مما يؤثر فيه بشكل كبير مستقبلاً. لذا لا بد من التصدي لظاهرة التحرش قبل حدوثها لحماية الطفل من التعرض لمثل هذه التجربة الأليمة، ويمكن أن يتم هذا من خلال ما يأتي:
- أن يعرف الطفل معنى خصوصية جسمه، وأنه يجب أن يحافظ عليه، وأن هناك مناطق في الجسم يجب عدم إظهارها للآخرين وأن يتم تغطيتها بالملابس.
- تسمية الأعضاء الخاصة باسمائها الحقيقية، مما يساعده على تقبل جسده، وعدم الخجل من هذه الأعضاء، وإخبار الوالدين إذا تعرض لأي خطر من الأخطار، ويجب أن تهتم الأم بالتثقيف الجنسي للطفل، من خلال الإجابة عن التساؤلات التي يطرحها.
- تعليم الطفل الفرق بين اللمسة الآمنة واللمسة غير الآمنة؛ فالأولى تكون خلال تنظيفه، أو مساعدته على ارتداء الملابس، وتكون بمصافحة الأقارب بشكل مناسب. أما غير الآمنة فهي التي تؤدي إلى شعور الطفل بالخجل، والخوف، وعدم الراحة، مثل التقبيل أو الضرب في المواضع الجنسيه للطفل.
- حفاظ الطفل على سلامته من الغرباء، وألا يأخذ شيئا من أحد لا يعرفه، ولا يتحدث مع الغرباء، ولا يرد على أسئلتهم. وضرورة البقاء في مجموعات، وبخاصة عندما يكون في أماكن بعيدة عن المنزل مثل المدرسة، أو النادي.
حماية المجتمع من التحرش
ولحماية المجتمع من التحرش من الواجب أن يزرع الآباء الحياء في الأبناء، وضرورة التفاهم مع الأطفال، والنصح والإرشاد وسماع آرائهم ومشكلاتهم، وعدم الثقة بالآخرين بشكل مفرط، ما قد يتسبب في تعرض الكثير من الأطفال للتحرش الجنسي من خلال الأشخاص الموثوق بهم. كما يجب زرع الثقة في نفس الطفل حتى يتخطى أي محنة يتعرض لها. وتربية الأبناء على نبذ العنف وعلى خصوصية أجسامهم. ولا يجوز ترك الطفل مع الأغراب، أو الأقارب، ومتابعته في أي مكان يُترك به، وإشعاره الطفل بالتقارب بينه وبين والديه وأسرته، وكذلك مده بالثقافة الجنسية اللازمة، التي تحميه من التعرض للتحرش الجنسي.