ليس ضرورياً أن تكون عضواً في منظمة تهتم بالبيئة،
بل غيّر من عاداتك اليومية لرفع مستوى الوعي بالقضية
غالباً ما ننسى أن كل شيء يبدأ بفرد واحد. ليس من الضروري أن تكون جزءاً من حركة بيئية أو منظمة من أجل الإسهام في حل المشكلة، إنما نبدأ بتغيير بعض عاداتنا اليومية لرفع مستوى الوعي بالقضايا البيئية، والأهم أن ينطبق الأمر نفسه على الأطفال، فإن تعليمهم الأساسيات وتوظيف التعليم البيئي العالي الجودة من الممكن أن يساعد كثيراً ويقطع شوطاً طويلاً، فالتعليم البيئي للأطفال أمر بالغ الأهمية.
القوة الفعلية
يُعدّ قطاع الطفولة مقوماً رئيساً في المنظومة الاجتماعية، ويعد الاهتمام ببناء قدرات فئة الأطفال المعرفية وثقافتهم البيئية مدخلاً مهماً ورئيساً لبناء القوة الفعلية في التغيير البيئي وتحسين السلوك البشري في العلاقة مع معالم النظام البيئي، وذلك مؤشر استراتيجي ينبغي الأخذ بمحددات أبعاده للتمكن من تحقيق جودة المنجز في تعزيز فاعلية أهداف الاستثمار البيئي للطفل.
التأثير البيئي في الطفولة
يولد الطفل بسلوكه الفريد، يبدأ فور ولادته التفاعل مع البيئة؛ فالاستجابات التي يتلقاها من البيئة تؤثر في سلوكياته وتعلمه. لأنه ينظر إلى البيئة على أنها عامل يمكن أن يشجع النشاط واكتساب المهارات وعامل قد يحد من النشاط. على سبيل المثال: التأثير البيئي يحدث عندما يتلقى الطفل استجابة للبكاء. ومثال آخر على التأثير البيئي، عندما يحرك الطفل فراشه بحرية ويلعب بدمية على مسافة ذراع ممدودة مقارنةً بطفل يجلس لفترة طويلة في عربة أطفال من دون القدرة على الحركة. تقول أحدث الدراسات إن تأثير البيئة في نمو الأطفال وتعلمهم من خلال النظرية الديناميكية التي توضح كيف يمكن للبيئة أن تغير السلوك، قدمت الدليل على الطرق التي تؤثر بها البيئة في السلوك إلى درجة التغيير في مستوى الشحنة الجينية نفسها؛ أي أن التغيير كبير جداً بحيث يمكن أن يتجلى حتى في تغيير جينات الطفل.
وتشرح النظرية أن نمو الأطفال يعتمد على التفاعل بين الحمل الجيني ومكونات البيئة والمهمة المطلوبة من الطفل. والمكونات البيئية هي، على سبيل المثال، التغذية المناسبة، والتعديل المادي والحسي للبيئة الذي يعزز فهم النجاح، وبالتالي تعلم مهارات جديدة. ووفقاً للنظرية الديناميكية، تسهم جميع الأنظمة معاً في نجاح التطوير والتعلم على قدم المساواة.
ومن الغريب أن نرى في المجتمع أن الولد يجب أن ينزل إلى الشارع أما البنت فلا، وهذا قد يكون صحيحاً في بعض البيئات، ولكن البديل في توفير بيئة مناسبة للبنت أيضاً للخروج واللعب والتعرف إلى البيئة المحيطة بها وتكوين الصداقات بكل أشكالها مع التقويم المستمر من الوالدين لكل من الولد والبنت؛ لذا يجب تقويم دور البيئة المحيطة بالطفل، وبخاصة أن هناك عوامل كثيرة تتدخل في التربية، فمن خلال المتابعة المستمرة وفي حال ملاحظة أي أثر سلبي للبيئة فعلى الوالدين التحرك لدراسة مدى التأثير السلبي في شخصية الطفل، ثم معالجة المشكلة إما بطريقة العزل عن البيئة أو بمؤثرات خارجية أقوى كالاحتضان والنصيحة.
الحل الأمثل للحفاظ على البيئة والحد من التغير المناخي
يكمن في سلوك الإنسان ونشأته،
والذي يتحول إلى قيم اجتماعية لديه
تطوير تدريجي
تشكل فئة الأطفال القاعدة الرئيسة التي تعتمد عليها عملية التطور الحضاري للمجتمعات، وتدعيم قدرات هذه الفئة الاجتماعية المهمة، فكرياً وثقافياً، وتوسيع دائرتها المعرفية، فعلينا أن نسهم بشكل فعلي في تكوين القاعدة الصلبة لبناء الجيل القادم وتنشئته تنشئة سليمة، ليكون قادراً على تحمل أعباء المسؤولية في إدارة وتوجيه وقيادة المجتمع بشكل واعٍ ومتعقل في تعامله مع مختلف الظواهر والمتغيرات، ويسهم في تنظيم وصقل مفاهيمه الخاصة بعلاقاته بالأشياء والمعالم المحيطة به، وتقنين نشاطاته المختلفة في اتجاهاتها وأهدافها.
صناعة ذلك ترتبط بشكل فعلي بمدى جدوى الاستراتيجيات التربوية في تنمية الثقافة البيئية للطفل المرتكزة على مناهج التربية البيئية والبرامج التعريفية والمعرفية في الشأن البيئي للحضانات والمدارس، التي ينبغي أن تضع في الاعتبار منهج التدرج في تعريف الطلبة بالقضايا البيئية والاستفادة من برامج المحاضرات وورش العمل والأنشطة المدرسية في تعميم الثقافة البيئية.
إن التكوين الثقافي البيئي للطفل هو عملية تطوير تدريجي كما هي عليه الحال في مسيرة التطور المراحلي والتاريخي لحضارة المجتمعات البشرية، فهي تتشكل نتيجة التراكم المعرفي للطفل في سياق مراحل نموه، إذ يجري في إطارها اكتساب العادات الأسرية في مراحل نموه الأولى، والتقاليد الاجتماعية والقيم الدينية الدارجة في محيطه الاجتماعي في مراحل نموه الثانية، والتعليم واكتساب المهارات والمعارف في مراحل نموه الرابعة، واكتساب الثقافات وتكوين الرؤى والأفكار وتحديد الاتجاهات والمفاهيم في المراحل المتقدمة من نموه بوصفه طفلاً، ودخوله المرحلة الأولى من نموه حين يصير شاباً.
ومن الطبيعي أن تكون لكل مرحلة من مراحل نمو الطفل خصوصياتها، ومرتكزاتها التربوية، وتشكل في مكوناتها مختلف التفاعلات الفكرية والثقافية والعادات والتقاليد الاجتماعية والتراثية والموروث الحضاري، والقيم الدينية، والخطط والبرامج العلمية والتعليمية والتثقيفية والتربوية المختلفة في جوهر مضمون أهدافها ومحتوياتها، التي تهدف في تكوين قاعدة الطفل الثقافية، وتشكل الثقافة البيئية أحد أبرز جوانبها حداثة.
إذا كانت البيئة لا تسمح بذلك، فسننظر في كيفية تغيير البيئة بحيث تسمح أو تساعد الطفل على العمل بنجاح. لذلك يجب أن يتكون أي تدخل علاجي للطفل لاستثماره بيئياً بدءاً من توجيه من الوالدين ومقدمي الرعاية للتغييرات في البيئة.
البيئة علاج فعال
فيما يأتي بعض الأمثلة التي تشرح كيف يؤثر التغيير البيئي في القدرة على اكتساب المهارات؛ فمثلا لو أن هناك طفلاً يعاني من سهولة في الرؤية، سيكون التغيير البيئي هو أننا لا نضعه ليلعب أمام الضوء الساطع، بل نغلق المصاريع في أثناء اللعب. ولو أن طفلاً يجد صعوبة في رفع رأسه مستلقيا على بطنه، سنحاول تشجيعه بصوت مثل ضحكة كبيرة في كل مرة يتمكن فيها من رفع رأسه، وبالتالي سنخلق بيئة مشجعة لتعبئة قواه وتحفيزه. لمواصلة التدريب وتعزيز هذه القدرة.
خطط التوعية والتثقيف البيئي للإدارات البيئية محور مهم في تنمية الثقافة البيئية للطفل، ويمكن أن تسهم في إحداث تحول نوعي في بناء السلوك البيئي الرشيد لقطاع الطفولة، وتتمثل في برامج السلطات البيئية المختصة والمعنية التي تحرص على تضمين برامجها بخطط تنظيم الندوات والمحاضرات والمهرجانات والنشاطات المختصة في مجال التوعية وبناء القدرات البيئية، وإعداد البرامج التلفزيونية والإذاعية، إلى جانب إصدار المجلات والنشرات والمطويات الخاصة بنشر المعارف والثقافة البيئية.
تحرص المنظمات الأهلية الناشطة في المجال البيئي هي الأخرى على تقديم إسهاماتها في تنظيم الأنشطة المتنوعة في تنمية الثقافة البيئية للطفل؛ إذ تعمل على الإسهام في دعم المشروع الوطني البيئي وتنظيم المهرجانات وتحفيز المجتمع المحلي للمشاركة في حملات التنظيف والتوعية بأهمية الحفاظ على المعالم البيئية، وتفعيل الأنشطة المدرسية في المناسبات البيئية، إلى جانب دعم الخطط الإعلامية في مجال التوعية البيئية.
وللإعلام أدواته النافذة في تعميم الرسالة البيئية؛ إذ تسهم البرامج التلفزيونية والملاحق التي تعنى بالثقافة البيئية للطفل في تنمية الوعي وبناء السلوك القويم لقطاع الطفولة.
الطفل أساس التطور الحضاري للمجتمع.. اهتموا بالأساس
تعزيز الاستثمار البيئي للطفل
علينا إذن أن نتبع إجراءات تساعد المربي على تعزیز ثقافة الإبداع والاستثمار البيئي للطفل فی المدرسة مثل:
- إعادة النظر من حین إلى آخر فی المفاهیم والممارسات القائمة على التعليم البيئي للطفل.
- تشجیع المدرسین على التجریب، وجعل جو المدرسة مثیراً یسمح بالمخاطرة غیر الضارة.
- تهیئة الفرص لتجربة الأفکار الجدیدة مع تقبل احتمال الفشل، على ألا یکون فی ذلك خطر کبیر على الطفل.
- تشجیع تبادل أعمال المدرسین التی تتسم بالابتكاریة بعضهم مع بعض، وتسهیل اتصالهم بالمدارس الأخرى المهتمة بتنمیة الوعي البيئي للأطفال.
- إیجاد بیئة عمل مفتوحة للأفكار الجدیدة غیر المألوفة وتقبّلها بشكل إیجابی
- تشجیع المبادرات الفردیة والجماعیة ومناقشتها فی جو إیجابی یسوده الاحترام
- استخدام العبارات الإیجابیة المشجعة للأفكار الجدیدة.
هذه الإجراءات تساعد بشكل كبير على تعزيز الوعي البيئي لدى الأطفال والأسر من خلال البرامج والأنشطة المتنوعة، فالحل الأمثل للحفاظ على البيئة والحد من التغير المناخي يكمن في سلوك الإنسان ونشأته، والذي يتحول إلى قيم اجتماعية لديه، ويجعله جزءاً من هذه البيئة ومسؤولاً عن عدم الإخلال بها، مع وضع الأساس البيئي، من خلال ترسيخ مبادئ كفاءة استخدام الطاقة والمياه في المنازل لدى الأسر، لتكون الأسرة النموذج الأمثل لنشر ثقافة الترشيد وتفعيل دورها في المجتمع.
إن التعليم البيئي يشكل أهمية كبرى بالنسبة للجميع. وكلما تعرفنا إلى الطرق التي نلحق بها الضرر بكوكبنا، كان بوسعنا أن نغير ونتبنى عادات جديدة أسرع. ويتعين علينا أن نبدأ بأنفسنا، ومن هنا يمكننا أن نكون مصدر إلهام للآخرين. فالأطفال هم المستقبل، لذا فمن الضروري أن ننقل المعرفة إليهم، فمن خلال بدء مرحلة ما قبل المدرسة، سوف يعمل التعليم البيئي على تشكيل وصقل عقلية أطفالك وجعلهم مدركين ومسؤولاً بيئياً، وهذا من شأنه أن يلهمهم لاتخاذ اختيارات ذكية وقرارات صائبة،وهذا هو الجيل الذي نحتاج إليه.
إن تأكيد القيمة الوطنية والاجتماعية للمسؤولية يكمن في الحفاظ على نقاء وتوازن النظام البيئي، باعتبار المسؤولية بمختلف معانيها وتجلياتها مطلباً مهماً لتحقيق ضمانات الأمن الصحي والبيئي للمجتمع، وصون مكونات المعالم البيئية بوصفها مصدراً مهماً للاقتصاد الوطني ومقوماً استراتيجياً لأمن المجتمع.