أم القنفذ تقول لك: دللي ابنك واحضنيه عندما تجدينه حزيناً
تبدأ الكاتبة الحكاية بحنكة وخبرة السنين فتقول: (في الأعياد تتبادل حيوانات الغابة الهدايا ويهنئ بعضهم بعضًا بالقبلات والأحضان). هنا تجذب الكاتبة القارئ من أول وهلة لتبدأ بعالم الحيوانات والأعياد والهدايا؛ تلك الأشياء التي يعشقها الطفل ويحبها، وتنجح الكاتبة أيضًا في التمهيد لما تريد الوصل إليه؛ حيث تبدأ السطر الثاني بتهنئة الحيوانات بعضها بعضاً بالقبلات والأحضان، وهذا تمهيد رائع من الكاتبة سوف يتضح جليًا عند نهاية القصة، ثم تُدخلنا الكاتبة إلى ما تريد أن تقوله من دون إسهاب، فتمهد له ببراعة، وتختار بطل القصة الذي كانت موفقة فيه بنسبة مئة بالمئة، فتبدأ الصفحة الثانية:
(القنفذ يجلس وحيدًا تحت شجرة يبكي).. هنا تبدأ الحكاية: لماذا يبكي القنفد؟ فتكمل الكاتبة وتقول: (فسمعته أمه وسألته: لمَ تبكي يا قنفوذي الصغير؟) وكلمة "قنفوذي" هنا جاءت موفقة؛ فهي كلمة توحي بالحب والحنان وقرب القنفذ من أمه، وتدل على روح الدعابة والتدليل الجميل. وهنا درس مهم في تربية الأبناء وكيفية تعامل الأم مع ابنها الحزين الذي يبكي؛ فهي بهذا التدليل تجذب قلبه إليها ليبوح لها بأسراره وبسب بكائه
(فرد عليها القنفذ قال: لا أحد يقبلني يا أمي أو يحتضنني).
هنا تأتي عقدة القصة؛ فالقنفذ حزين لأن جميع الحيوانات تُقبّل وتحتضن بعضها لكنها لا تحتضن القفنذ! فتحاول الأم أن تُهدّئ من حزن ابنها فتقول: (أنا أُقبلك يا حبيبى وأحتضنك كل يوم) فيبكي القنفذ ويقول: (أنت فقط يا أمي. إنهم - ويقصد الحيوانات - لا يحبونني بسبب الأشواك التي تغطي جسدي).
اعرفي مشكلات أبنائك وساعديهم على حلها
من هذا السطر تبدأ المشكلة، فتحتضنه الأم ـ وهنا درس ثانٍ في التربية؛ وهو ضرورة احتضان الأولاد ليشعروا بالأمان والحنان ويبوحوا بما عندهم، وفي الوقت نفسه سوف يتقبلون ما يقال لهم بحب.
راحت الأم توضح للقنفذ أن هذه الأشواك خلقنا الله بها لأن أجسامنا ضعيفة، وحتى تحمينا من الأعداء. لكن القنفذ يرد عليها وقد استشاط غضبًا وهنا نجد عبارة "استشاط غضبًا" قد جاءت موفقة جدًا لتوضيح شدة الغضب ورفض القنفذ (الرمز) لحالته المختلفة عن الآخر (لا أريد هذه الأشواك يا أمي. أريد أن يكون جلدي ناعمًا وملمسه طريًا).. هنا شعور القنفذ (الرمز) بضعفه وبأنه مختلف عن الآخرين، وبأن هذه الأشواك هي السبب في عدم تقبيل الأخرين له. تنزعج الأم من هذا الشعور السيئ الذي بدا على صغيرها (انزعجت الأم بشدة ثم قالت له:)
وكلمة "انزعجت" هنا جاءت موفقة جدًا، وهي دليل على إحساس الأم بالمشكلة، وهذا درس ثالث في التربية؛ وهو ضرورة معرفة الأم وإحساسها بمشاكل أبنائها لدراستها والوصول إلى حلول لها، لذلك جاءت كلمة "بشدة" أيضًا رائعة لتؤكد مسئولية الأم تجاه أبنائها وحبها لهم أيضًا عندما يحدث لهم أي سوء، لذلك حاولت الأم أن تجعل وليدها يتخلى عن فكرته بألا يكون له أشواك وقالت: (هل تتخلى عن جلدك وعن شكلك الذي خلقك الله به، وتعرّض نفسك للمخاطر يا قنفوذي الضعيف؟!)
لاحظ كلمة "يا قنفوذي الضعيف" التي جاءت موفقة جدًا لتعرّف الطفل بحالته وأنه ضعيف من دون الأشواك. وهنا إبداع من الكاتبة في المحافظة على كلمة "قنفوذي" طوال القصة لما لها من دلالات حنينية تجعل الطفل منجذبًا لك دائمًا، وهذا درس رابع في التربية؛ وهو المحافظة على الهدوء النفسي في أحلك اللحظات للتمكن من حل المشكلة بهدوء؛ فحقًا عندما تكون هادئًا يكون قرارك صائبًا، وقد ظهرت حنكة الكاتبة، حيث استخدمت عبارة "يا قنفوذي الصغير" عندما أرادت أن تجذب الطفل إليها، وعندما كان يبكي، ثم استخدمت عبارة "يا قنفوذي الضعيف" عندما أرادت أن تًشعر القنفذ (الرمز ) بحالته.
علميه كيف يحافظ على هدوئه ليحل مشكلته بسهولة
الحلول المباشرة
نعود إلى القصة ومحاولة الأم الدخول إلى الحلول مباشرةً، وهذه صفة من صفات الكاتبة لا يعرفها إلا من اقترب منها. عندما قال لها القنفذ بإجابة صادمة (نعم يا أمي) (فنظرت إليه الأم، ثم سألته: هل لك أصدقاء في الغابة؟) وهنا درس سادس في التربية من ضرورة وجود الحلول مباشرةً من دون الجدال مع الطفل. (رد القنفذ الصغير: لا، فأنا أبتعد عنهم خوفًا من أن يؤذيهم شوكي أو أن يسخروا من شكلي) وهنا تقدم لنا الكاتبة السبب المباشر كأنها باحثة نفسية استحضرت من داخل النفس الطفولية مشاكل الانطواء وذلك في كلمات موجزة ومركزة، ثم تنجح الكاتبة وكأنها خبيرة في التنمية البشرية وتعزز ثقة الطفل بنفسه من خلال أم القنفذ الواعية (التي توضح مدى ثقافة الكاتبة وعمق دراستها وأنها تعرف الكثير عما تكتب)
(قالت له أمه: إن شكلك جميل وشوكك رفيع وصغير يا ولدي ثم ضحكت قائلةً: وهنا مشهد رائع للأم الواعية التي تقدم الحلول بطريقة فكاهية، وهذا محبب جدًا للطفل، وقد مهدت بذكاء لما سوف تقوله، فجاءت بعبارة "شكلك جميل" حتى ترد على شكه في نفسه حيث إنه لا يقترب منهم حتى لا يسخروا منه، ثم جاءت بعبارة "شوكك ضعيف" أي لن تتسبب في إيذائهم، وهوّنت الموقف بضحكها، لتبرر له أن هذا الموقف بسيط؛ فشوكك رفيع وصغير. ثم تقول له (هل تتصور يا قنفوذي الصغير أن شوكك يمكن أن يؤذي الفيل أو الزرافة أو الأسد أو الطيور الكبيرة التي تحلّق في السماء؟) وهذا سؤال استنكاري تحاول به الكاتبة تهوين الوضع على القنفذ، موضحةً أن شوكه الرفيع لن يؤذي الحيوانات، وقد نجحت الكاتبة في اختيار الحيوانات الكبيرة كالفيل والزرافة والأسد والطيور الكبيرة، وهذا درس في التربية وفي طريقة وأسلوب الحوار والإقناع الرائع للقنفذ الرمز، فيرد عليها القنفذ باقتناع (نعم أعلم أنهم كبار وأقوياء ولكن لا أحد يقترب مني).
مازالت الكاتبة تجذبنا، وتجعلنا في تشويق مستمر، وتجعلنا نلهث وراء ما سوف يحدث،فتقدم تساؤلًا آخر يقوله القنفذ لأمه بأن المشكلة مازالت قائمة؛ فلا أحد يقترب منه، فيأتي جمال الرد السريع والحكيم وبكلمات موجزة حاسمة (قالت له أمه: اقترب أنت منهم) فيسأل القنفذ أمه (كيف يا أمي؟!) فترد عليه أمه: فكر أنت في طريقة حتى يعرفوا أنك تحبهم وتريد صداقتهم).
حل مشكلتك بنفسك
هنا ملمح آخر من ملامح التربية؛ وهو أن نجعل الطفل يحل مشكلته بنفسه عن طريق اكتشاف ذاته واستخراج ما بها من إمكانات، وهوما أكملت به الكاتبة القصة قائلة (جلس القنفد يفكر ماذا يمكنه - وهو الصغير الضعيف - أن يقدم لحيوانات الغابة وماذا يفعل. وهنا النتيجة الجميلة لرحلة الأم في حل مشكلة ابنها؛ فقد نجحت في جعل القنفد يجلس ويفكر في حل مشكلته والبحث عما يقدمه وهو الصغير الضعيف، وهاتان الكلمتان جاءتا موفقتين جدًا؛ فبرغم أنه صغير وضعيف لكنه يستطيع أن يحل مشكلته، وهذا درس للأصدقاء الصغار، فليس معنى أنك صغير وضعيف أنك لا تستطيع أن تحل مشكلتك.. لا، أنت تستطيع أيها الصغير الضعيف أن تحل مشكلتك بنفسك وبقليل من مساعدة الآخرين. وهاتان الكلمتان أيضًا جاءتا لتمهد بها الكاتبة بنجاح بألا تخرج الحلول عن أنه صغير وضعيف. وقد ظلت الكاتبة حقاً على خط إبداعها وكأنها تسير على حبل السيرك من دون أن تقع، فتكمل (وفجأة تذكر أنه يحب الزهور ويستطيع أن يجمعها بشوكة الصغير) وهذا الحل جميل ويتفق مع ما مهدت له الكاتبة من أنه صغير وضعيف، لذا جاءت بجمع الزهور وهو حل مناسب لإمكاناته؛ فالزهور رقيقة يستطيع أن يجمعها بشوكه الصغير. ثم تساند الكاتبة هذا الحل بحلول قوية ومبهرة من البيئة المحيطة، ويستطيع القنفذ فعلها، بل يفعلها كل يوم ويحبها؛ حيث تكمل (ويأكل من خضروات وفاكهة الغابة اللذيذة، وقرر أن يعطيهم مما يحب) وهذه حلول جميلة وتناسب إمكانات القنفذ؛ فهو يأكل الخضراوات والفاكهة اللذيذة كل يوم. هنا كانت الكاتبة موفقة جدًا فهو سوف يعطيهم مما يحب، وهذا درس مبدع ودعوة رائعة إلى إهداء الجميع مما نحب، ليكون العطاء ذا قيمة ويحقق مردودًا قويًا، وهذا ما حدث بالفعل عندما صنع القنفذ باقات من الزهور وأهدى الحيوانات إياها، وقدمها إلى الطيور في أعياد ميلادهم ونجاحهم، وأخذ يجمع الفاكهة المغذية اللذيذة ويهديها المرضى والحيوانات الصغار.. هنا جاءت عبارة "الفاكهة المغذية" رائعة مع المرضى وكذلك صغار الحيوانات؛ فالمرضى يحتاجون إلى أغذية مغذية وصحية لتعينهم على الشفاء، والصغار يحتاجون إلى أغذية مغذية حتى يكبروا وتنمو أجسامهم.
ثم تأتي النتيجة التي رسمت لها الكاتبة منذ البداية، ومهدت لها بنجاح طوال القصة؛ فقد استطاع القنفذ أن ينال إعجاب الجميع، فصارت طيور وحيوانات الغابة تحبه كثيرًا، وفي عيد ميلاده جاء إليه كل من في الغابة وهنأوه وأعطوه الهدايا التي يحبها، ففرح القنفذ الصغير وشعر بالسعادة؛ حين تحلقت الحيوانات حوله وأعطوه حضنًا كبيرًا وقبّلوه.
الثمرة الجميلة
وصلنا إلى ثمرة القصة بعد رحلة شائقة وممتعة؛ فقد أخذ القنفذ حضنًا كبيرًا من حيوانات الغابة، ولو انتهت القصة هنا لكفت، ولكن أرادت الكاتبة أن تفرح الأم أيضًا بوصولها بابنها إلى بر الأمان، وتعرفه بثمار التفكير والعمل ومعرفة ذاته، حيث تكمل الكاتبة بضحكة رائعة للأم (ضحكت أمه ثم قالت: هل فهمت الآن يا ولدي؟( ولم تترك الكاتبة السؤال من دون إجابة لتعلي من دور الأم، فتكمل (يجب أن تحب نفسك وألا تخجل من شكلك).. هنا حكمة رائعة لكل من توجد لديه مشكلة تمنعه من التعايش. وتنجح الكاتبة كذلك في توضيح أن ما قد تظنه عيبًا يكون فيه السر، ويكون المفتاح نحو النجاح؛ حيث تكمل (إن شوكك الذي كنت تخجل منه وتكرهه هو الذي جلب لك السعادة والأصدقاء، وأعطاك كل حيوانات الغابة كثيرًا من الأحضان، فصاح القنفذ وكلمة "صاح" جاءت موفقة جدًا لتدل على شدة الفرح، ودلالة أيضًا على أن صوته سيصل إلى الجميع، وأنه سوف يتعلم الكثير من ذلك عندما يسمعون صياحه، فيسألون، فتُحكى لهم الحكاية. وتختتم الكاتبة القصة بجملة جميلة وثمرة أجمل على لسان القنفذ:
(نعم يا أمي كان أجمل وأكبر حضن)
وهنا روعة الوصول واعتراف القنفد بأن هذا الحضن هو أجمل وأكبر حضن.. شكرًا للكاتبة فاطمة المعدول ذلك الحضن الكبير الذي يسع الجميع.