الملخص:
يتناول المقال الدور الذي يلعبه المسرح في تنمية الطفل تنمية عقلية وفكرية واجتماعية ونفسية، وعلمية، ولغويه، وجسمية. ويشرح نشأة مسرح الطفل وظهور المسرح التعليمي في أوروبا وكيفية وصول مسرح الطفل إلى العالم العربي، وأشكاله المتنوعة ما بين خيال الظل ومسرح العرائس والمسرح الإذاعي. ويلفت المقال إلى دور المسرح في علاج الاضطرابات النفسية المختلفة التي يعاني منها الأطفال، كما يطرح بعض المشكلات التي يعاني منها مسرح الطفل في العالم العربي ويقترح بعض الحلول.
كلمات مفتاحية:
#الطفل_والمسرح #المسرح_التعليمي #شخصية_الطفل #مهارات_الطفل
المقال كاملاً
على الرغم من التقدم العظيم في وسائل الاتصال والتكنولوجيا، فإن الطفل مازال يرغب في رؤية مسرح يخصه، يعبر عن أحلامه وطموحاته والتحديات التي تواجهه في الحياة، ويُعدّ مسرح الأطفال من الوسائل التربوية والتعليمية التي تسهم في تنمية الطفل تنميةً عقليةً وفكريةً واجتماعيةً ونفسيةً وعلميةً ولغويةً وجسميةً، وهو فن درامي تمثيلي موجه للأطفال يحمل منظومة من القيم التربوية والأخلاقية والتعليمية والنفسية على نحو نابض بالحياة من خلال شخصيات متحركة على المسرح؛ مما يجعله وسيلة مهمة من وسائل تربية الطفل وتنمية شخصيته، تعتمد عليها التربية الحديثة في تطوير وتنمية العديد من المهارات والقدرات لدى الأطفال - التي يصعب تحقيقها عن طريق وسائل أخرى - منها القدرات اللغوية، وزرع روح المبادرة، وتعزيز الثقة بالنفس، وتطوير المهارات الحسية والحركية.
المسرح يتيح للطفل المشاركة، بل يعتبر المنشط الرئيس في القيام بالأدوار الموكلة إليه، والتي تتناسب مع قدراته، أو إعطائه الدور الذي يمكن أن يعالج أو يقلل من اضطراب معين لديه، ولذا فإن ذلك يفتح المجال واسعاً، ويمنحه فرصاً أكبر للوقوف على القدرات والصعوبات، وبالتالي يحاول جاهداً ان يقوم بالتصحيح الذاتي للصعوبات ويحتفظ بالقدرات المكتسبة.
"مسرح العرائس" ظهر عند الفراعنة،
والصينيون تفننوا فى تمثيليات "خيال الظل"
نشأة مسرح الطفل
سبقت أوربا العالم العربي إلى مسرح الطفل؛ ففي فرنسا ترجم رونسار Ronsard مسرحية "بلوتوس" Plutus لأريستوفان، المسرحي اليوناني، لكي يمثلها تلاميذ معهد كوكوري Coqueret سنة 1549م. وفي اسبانيا كان أول عرض مسرحي طفولي يحمل عنوان "خليج الأعراس" سنة 1657م، وقد قدم العرض بحديقة الأمير فرناندو ابن فيليبي الرابع ملك إسبانيا، وهو من تأليف الكاتب المسرحي بدرو كالدرون دي لاباركا، وفي روسيا ظهر مسرح الطفل سنة 1918م، وحقق أهدافاً أيديولوجية متمثلة في إظهار بشاعة الرأسمالية وحقارة المحتكر. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد أنشأت ميني هينز سنة 1903م مسرح الأطفال التعليمي، ومن عروض الطفل التي قدمتها "الأمير والفقير"، و"الأميرة الصغيرة والعاصمة".
إلا أن "مسرح العرائس" قد ظهر قديماً عند الفراعنة، وأيضاً عند الإغريق الذين كانوا يلقِّنون الجند فن المحاكاة، وتمثيل أدوار درامية تتعلق بالمروءة والفضيلة والدفاع عن الوطن. ولا ننسى الصينيين الذين تفننوا فى تمثيليات خيال الظل، ونقلها عنهم المغول وحملوها إلى العراق التي احتلوها، ثم ظهر هذا الفن على يد الحكيم شمس الدين بن الخزاعي الموصلي الذي نزح إلى القاهرة، ثم وصل هذا الفن إلى تركيا عام 1517م في عهد السلطان سليم الأول، لينتشر لاحقاً في أوروبا. رفض المفكر الفرنسي جان جاك روسو مبدأ التعليم والتلقين عن طريق الكتب وشجع التعلم عن طريق اللعب والحركة واستخدام الحواس، ودعا إلى استخدام تلك الأساليب فى كتابه "إميل". واستفاد منه المسؤولون عن التربية، فتعلم الأطفال وقتذاك، وشجع على تأسيس مسرح للطفل للتعلم والإبداع وللتربية التي تربي جيلاً يعتمد على الابتكار والتنوير من دون الحفظ والتلقين المباشر.
جدير بالذكر أن اليابانيين تلقفوا هذا الفن باهتمام شديد، وأعادوا اكتشافه على طريقتهم، وعملوا على تطوير أدواته ومعطياته وأفكاره حتى أصبح له كيان مستقل. ولعل بيتر شومان في مسرحه الذي يسمى بمسرح "الدمى والخبز" هو أشهر المخرجين المعاصرين الذي يعتمد على مسرح العرائس.
الطريق إلى مسرح الطفل العربي
هناك من يؤكد أن المغرب عرف مسرح الطفل منذ عام 1860م، عندما استولى الإسبان على مدينة تطوان، حيث مثلت فرقة بروتون مسرحية بعنوان "الطفل المغربي"، وذلك على خشبة مسرح إيزابيل الثانية بتطوان، وهي أول خشبة في العالم العربي وفي إفريقيا. وظهرت بعدها بالقاهرة قاعة مسرح الأزبكية عام 1868م والأوبرا سنة 1869م؛ بمناسبة افتتاح قناة السويس في عهد الخديوي إسماعيل.
ولا يفوتنا ذكر دور الرائد السوري أبو خليل القباني في تأسيس مفهوم مسرح غنائي عربي مستقل في القرن التاسع عشر في كل من سوريا ومصر، وقد تتلمذ على فنه وتجاربه المسرحية أعلام المسرح العربي.
لم يؤسَّس لمسرح الطفل في البلاد العربية إلا في أواسط القرن الماضي. ولعل فن الأراجوز كان محاولة لتقديم مسرح يخص الطفل بإمكانات متواضعة. وقد اختلف الباحثون حول معنى كلمة "أراجوز"؛ فهناك رأي يُرجعها إلى اللغة الفرعونية "أورو جوز" أي "راوي الحكايات"، وآخر ينسبها إلى "القرة قوز" باللغة التركية، التي تعني "العين السوداء"، وآخرون يقولون إنها تحريف لقراقوش؛ نسبةً إلى بهاء الدين قراقوش أحد حكام مصر في العهد العثماني.
فن الأراجوز محاولة لتقديم مسرح للطفل ولكن بإمكانات متواضعة
|
مسرح الطفل تعليم وتلقين
يتنوع مسرح الطفل ما بين مسرح خيال الظل ومسرح العرائس والمسرح الإذاعي. أما مسرح خيال الظل فيعتمد على الأشعة الضوئية لتشخيص أشياء من خلالها تنعكس الظلال على شاشة خاصة، وذلك باستعمال الأيدي والأرجل وبعض الصور. وقد عُرف خيال الظل في مصر والعراق، ويُذكر أن صلاح الدين الأيوبي حضر عرضاً لخيال الظل مع وزيره القاضي الفاضل عام 567هـ. وقد ارتحل خيال الظل عبر مجموعة من الدول والمناطق ليستقر في الوطن العربي بعد أن انتقل من الهند إلى الصين، حيث تسلمته القبائل التركية الشرقية والتي نقلته بدورها إلى فارس ثم إلى الشرق الأوسط، وتلقته مصر لتنشره في شمال إفريقيا. أما مسرح العرائس فهو مسرح الدمى، وهو نوعان: نوع يحرك أمام الجمهور مباشرةً بواسطة خيوط، والآخر يحرك بأيدي اللاعبين أنفسهم. وقد ظهر مسرح العرائس قديماً عند المصريين القدامى (الفراعنة) والصينيين واليابانيين وبلاد ما بين النهرين وتركيا. بيد أن اليابانيين تفننوا فيه حتى أصبح إحدى أدوات التعليم والتلقين، فهم من الأوائل الذين أتقنوا هذا النوع من المسرح حيث يتهافت عليه الصغار والكبار من دون استثناء.
وبالنسبة إلى المسرح الإذاعي فهو ذلك المسرح الذي تنقله وسائل الإعلام وتذيعه بين الناس مرئياً وبصرياً وسمعياً، سواء في الراديو أم التلفزيون.
المنشط الرئيس في القيام بالأدوار الموكلة إلى الطفل
يلعب مسرح الطفل دورا مهماً في تنمية وتطوير وظائف العقل لدى الطفل (الذكاء، التصور، التذكر) فالوضعيات التي يجد الطفل نفسه فيها والتي يتطلبها عرض مسرحي تفرض عليه توظيف ذكائه حتى يقدم دوراً ناجحاً يتقيد فيه بتوجيهات وإرشادات المربي والشروط الموضوعية للنص المسرحي. كما أن المسرح يمكن أن يطور قدرات التصور والخيال لدى الطفل حسب الموضوع الذي يتناوله النص المسرحي، وبخاصة إذا تناول الشخصيات الخرافية والأسطورية، حيث تدفع بالطفل إلى الاجتهاد حتى يقلد الإيماءات والحركات والكلمات لكي يكون أقرب إلى تقمص الشخصية الخيالية الموكلة إليه. كما أن المسرح يضع الطفل في وضعيات تجعله يجتهد ويوظف إمكاناته لكي يتمكن من تثبيت واسترجاع الحركات، والكلمات، والايماءات ....إلخ،؛ تلك التي تساعده على أداء الدور المسرحي المنوط به بكفاءة وبشكل صحيح.
وللمسرح قدرة على علاج الاضطرابات النفسية المختلفة والتي يعاني منها بعض الأطفال؛ فالمواقف التي يضع المسرح الطفل فيها تجعله أكثر ثقة بالنفس من خلال نجاحه في أداء الدور المنوط به. كما يساعده على تخطي بعض المشكلات اللغوية من خلال القدرة على تصحيح الكلمات والجمل ونطقها بالشكل الصحيح، إضافة إلى التحلي بروح المبادرة والإبداع والإقدام، بدلاً من الخوف والتردد والإحجام.
ويساعد المسرح الطفل على الاندماج في المجتمع من خلال تعوُّد لعب الأدوار الجماعية والتعاون والتنسيق مع بقية الشخصيات المشاركة في المسرحية، فينفتح على الآخرين، ويكوّن علاقات اجتماعية إيجابية أساسها التفاهم والتشاور والتضامن.
المسرح ينمي ويطور وظائف العقل لدى الطفل: الذكاء والتصور والتذكر
|
ونظراً إلى كون حواس الطفل في مراحل تظوره ونموه؛ فإن المسرح يساعد الطفل بشكل ملحوظ على تطويرها بشكل أكبر وأسرع، فالطفل يعمل كل ما بوسعه لكي يكون يقظاً ومنتبها أثتاء العرض المسرحي، وخصوصاً حاستي البصر والسمع؛ فمن خلالهما يستطيع أن يتفاهم ويتواصل، سواء مع الشخصيات المشاركة أو مع الجمهور.
إن الذاكرة السمعية لدى الطفل تتطور بشكل أحسن وأدق مع مضيّ الوقت، فهو ملزم بالاستماع والإصغاء لما تقوله الشخصيات المشاركة؛ حتى يتسنى له التدخل والرد بما يتوجب عليه، كما يلزمه تقليد الحركات والإيماءات بالشكل المطلوب والدقيق، وهذا لن يكون إلا بتدخل الذاكرة البصرية.
ويسهم المسرح في تنمية المهارات الحركية لدى الطفل من خلال طبيعة الأدوار والشخصيات التي يمثلها، فإذا كان على الطفل أن يمثل دور حيوان معين فعليه أن يقلد حركات وسكنات ذلك الحيوان، سواء من خلال المشي على الأطراف الأربعة أو القفز أو الركض ....إلخ. وكل هذه السلوكيات الحركية تساعد الطفل على التحكم الجيد في حركات جسمه والقدرة على مراقبتها، كما تسهم في تنمية وتطوير مختلف الوضعيات الحركية؛ بدايةً من الحركة العامة إلى حركات أطراف الجسم. وللاشارة يمكن أن يستعمل المسرح في التقليل من بعض الاضطرابات الحركية التي يعاني منها بعض الأطفال من خلال اختيار الموضوع المناسب.
آفات مسرح الطفل العربي
يعاني مسرح الطفل في العالم العربي من وطأة مجموعة من المشكلات الخاصة، التي تبدأ بغلبة أسلوب التعاطي الكرنفالي والموسمي مع مسرح الطفل، ولا تنتهي بهشاشة النصوص التي تُقدَّم في هذا المسرح من ناحية قدرتها على مواكبة عقلية الطفل العربي ورغباته وميوله، مروراً بالعديد من العقبات والتحديات الأخرى، مثل التمويل والتنسيق والنشر الترويج وغيرها. من جهة أخرى، فإن مسرح الطفل على الصعيدين المحلي والعربي يفتقر إلى شبكة من العلاقات المؤسساتية بين مختلف الجهات المعنية به، حيث يتعين على المؤسسة المسؤولة عن مسرح الطفل التنسيق والتخطيط بين ومع المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية، بحيث يكون هناك منظومة متكاملة ومتوافقة في رؤيتها لمسرح الطفل في واقعه ومستقبله. إضافة إلى ذلك، فإن المؤسسات المعنية بشأن مسرح الطفل غالباً ما تتبنى إصدارات مسرحية للطفل في مجال التأليف لا تتناسب لا في طباعتها، ولا في إخراجه، ولا في رسوماتها، ولا في حجمها، ولا في مضمونها، مع عقلية ورغبات وميول فكر الطفل العربي، ولا تأخذ في الاعتبار مستويات فئاته العمرية المتباينة.
آفات مسرح الطفل العربي: التعاطي الكرنفالي.. غياب العلاقات المؤسساتية.. ضعف النص |
المشكلة والحل نظراً إلى أهمية المسرح للطفل لا بد من توظيف القدرات البشرية من خلال التأهيل والتدريب المناسب، وتوسيع رقعة الجمهور، وحسن اختيار الأعمال الفنية، والتوسع في بناء دور العرض، وإلغاء الضرائب على أنشطة مسارح الطفل، وربط مسارح الطفل بالمدارس مع إمكانية التنقل بين المدن، وزيادة الإمكانات المادية التي يحتاج إليها مسرح الطفل الذي يعتمد جزء كبير منه على الإبهار البصري والسمعي وأداء الممثلين، بحيث لا تقتصر على أيام المهرجانات، وإنما يكون إبداعاً منتظماً وله مواسمه المعلومة خلال العام، بما يتناسب مع إجازات الأطفال بالمدراس، إضافة إلى أهمية إدراج مادة المسرح في المناهج المدرسية أو تخصيص قناة تلفزيونية أو مجلة، أو حتى تخصيص بعض صفحات الصحف اليومية لمسرح الطفل، أو الاكثار من المهرجانات والإصدارات المسرحية الخاصة بالطفل.