آباء وأمهات والمهمة المقدسة
مسرح الطفل.. لعب وترفيه وتعليم
ينجذب الأطفال بطبيعتهم إلى المسرح؛ فهو نوع من اللعب التخيلي يجمع بين اللعب والمتعة الوجدانية، وفيه الحوار والألوان والموسيقى، وفيه الجمال والمتعة الحقيقية، ولذلك فهو وسيط باهر من وسائط الثقافة. مسرح الطفل هو فن درامي تمثيلي موجه للأطفال، يسهم في تنميته عقليًا وفكريًا واجتماعيًا ونفسيًا وعلميًا ولغويًا من خلال شخصيات متحركة على المسرح، ولذلك فإنه من أهم السبل للوصول إلى عقل ووجدان الطفل. لم يعد مسرح الأطفال وسيلة للترفيه والتسلية وحسب، بل أصبح وسيلة فاعلة للتعليم والتثقيف ونشر الأفكار وتنمية القيم المختلفة، وصار يستعمل أداةً فاعلة في مساعدة المعلمين على تدريس كثير من المواد العلمية والمنهجية ونقلها إلى الأطفال بأسلوب يعتمد على التشويق والتبسيط بما يعود بالنفع على الأطفال في مراحل طفولتهم المختلفة، وبما أن المسرح وسيلة تعتمد على حاستي السمع والبصر فهو يعد وسيطًا جيدًا في نقل آداب الطفل بطريقة واضحة وهادفة، ويسعى إلى جلب الفرحة إلى قلوب الأطفال ويدربهم على التمثيل، وينمي مشاعرهم الإنسانية، ومشاركتهم الوجدانية، كما يستثمر نشاط الطفل وطاقاته الحركية الزائدة، وينمي الحس الفكاهي لديه.
كلمات مفتاحية:
#الطفل_والمسرح #ثقافة_الطفل #المسرح_واللعب
المقال كاملاً
يمكن توظيف المسرح في العملية التربوية؛ فهو يقدم للطفل المادة التعليمية في صورة تمثيلية مشوقة بواسطة العرائس بطريقة مبسطة، فذلك يجذب الأطفال ويشوقهم، ويقدم الأحداث بشكل حماسي عبر حركات وقفازات العرائس على المسرح، الذي صار أداة تدريسية تساعد على بناء مهارات الطفل، وتعزيز فهمة للدرس داخل غرفة الصف والتي تتم عن طريق تكوين ورش عمل لبناء محتوى المنهج، وتوظيفه التوظيف الصحيح ليناسب المستوى التحصيلي لجميع الأطفال من خلال ما يعرف بـ "مسرحة المنهج " التي تضع المادة التعليمية في إطار مسرحي ويقوم الطلبة بأدوار مختلفة وشخصيات وأحداث ومواقف دراسية متعددة.
منهج تعليمي مبسط
يهدف مسرح الطفل إلى تبسيط المحتوى التعليمي المقدم للأطفال تبعا لمراحلهم العمرية (طفل ما قبل المدرسة، رياض الأطفال، أطفال المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية)، حيث يقدم المناهج التعليمية في سياق درامي غنائي، يشترك فيه الأطفال من أول لحظة، ويشاركهم العمل المعلمون وبعض المهتمين بالفن المسرحي من مخرجين وممثلين، كما يحتفي من خلاله بالمناسبات الرسمية وغير الرسمية. لكن نجاح المسرح المدرسي مرتبط بتعامل المعلم مع الأطفال؛ فيجب على المعلم أن ينزل إلى مستوى الأطفال ليرتقي بهم إلى الأعلى، ويقوم بعمليات الإيماء للطفل بكيفية التمثيل، لكي لا يقع تحت تأثير التقليد وأن يخطط جيدًا للنشاط الدرامي.
أهمية مسرح الطفل
مسرح الطفل أقوى معلم للأخلاق والقيم وخير دافع للسلوك الطيب: فهو وسيلة تربوية لغرس القيم الحميدة في الطفل بوسيلة محببة وبأسلوب سهل ومبسط عن طريق ممارسة المواقف والألعاب التمثيلية - أي المزج بين اللعب والموقف المسرحي، مثل: فكرة الخير والشر- كأن يغنى الطفل أغنية لحيوانٍ ما ثم يتقمص هذا الحيوان، فعن طريق الكلمات يلقَّن الطفل القيم المختلفة الأصيلة في المجتمع. كما يعد المسرح وسيلة لعلاج المشكلات الاجتماعية للأطفال من خلال الالتحام المباشر بين الممثلين والجمهور بلا حواجز، ومن هنا يصبح الطفل أكثر وعيًا بالموضوعات المختلفة، التي تثيرها تلك الأحداث والشخصيات، سواء كانت إنسانية، أو حيوانية، أو أسطورية.
الكشف عن مشاعر وانفعالات الطفل: فحضور الطفل إلى المسرح يمكن أن يخلصه من بعض المشكلات النفسية البسيطة، مثل الشعور بالذنب أو الخوف، وينمي لديه احترام الذات. كما يعد وسيلة لتخفيف الضغط والتوتر النفسي وتعزيز الثقة بالنفس، ويعالج الانطواء ويخفف حدة الانفعالات المكبوتة، وذلك عندما يندمج الممثل أو المتفرج في جو التمثيلية، ويتقمص دورًا معينًا فهناك الكثير من الظواهر النفسية التي يمكن معالجتها عن طريق التمثيل؛ كالخجل، ومن هنا فإن مسرح الأطفال يساعد على التخلص من الضيق والضغوط النفسية التي تفرضها البيئة ومواجهة الظروف التي تزعجهم أو تخذلهم في حياتهم الواقعية.
تبسيط المعلومات التعليمية للطفل بطريقة شيقة: فالمسرح وسيلة لتبسيط المعلومات المعرفية للطفل؛ عن طريق تحويل المقررات الدراسية إلى ألعاب معرفية ومسرحيات بأسلوب مشوق وجذاب وممتع.
تنشيط خيال الطفل: الممثل في مسرح الطفل ينبغي أن يكون ممثلًا شاملًا، ويجيد الغناء والاستعراض، وتكون لديه مهارات حركية عالية؛ لأن هذه الأشياء تثير خيال الطفل وتدفعه إلى الانجذاب إلى ما يقدمه له الممثل، فالألوان الطبيعية الزاهية تنمي ذوق الطفل الجمالي، وتجعله عاشقًا للفن؛ فقد يرجع الصغير إلى المنزل بعد مشاهدة العرض المسرحي ويحاول أن يعيد صياغة الألوان الجميلة التي رآها في رسومات. من هنا تكمن إيجابية الألوان في إثراء خيال الطفل حتى يبتكر ويبدع صورًا جميلة.
تعزيز الانتماء وحب الوطن في نفوس الأطفال: يسعى مسرح الطفل إلى تنمية الانتماء الوطني لدى الطفل في الروضة؛ من خلال ما يًطرح في المسرحيات على مستويات مختلفة من خبرات ونماذج وطنية مشرفة، تدور حول أحداث عظام وشخصيات نبيلة أسهمت فى رفعة شأن الوطن والتقدم به. كما يتم من خلاله مناقشة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية على المستوى القومي والعالمي بأسلوب سهل وبسيط يفهمه الأطفال، مثل: قضايا الحرب والسلام، وقضية فلسطين، وكذلك الاحتفالات المختلفة، مثل: الاحتفال بأسبوع الطفولة، ورؤية هلال شهر رمضان، وليلة العيد وغيرها من الاحتفالات التي قد لا يعلمها الأطفال في عصرنا الحالي، في عودة إلى التراث ومحاولة لإحيائه من جديد.
إثراء حاسة التذوق الفني والجمالي لدى الطفل: فمن خلال عناصر العرض من (تمثيل، وإخراج، وديكور، وملابس، وإضاءة، وإكسسوارات، ومكياج، وموسيقي، وأغانٍ)، وغيرها من العناصر الدرامية، أو الفنية التي تجذب الطفل؛ يتم تنمية حسه الجمالي وتهيئته لكي يصبح مشاهدًا كبيرًا ومتلقيًا جيدًا في المستقبل؛ أي إعداده لدراما الكبار، وتزويده بالمعلومات الفنية الخاصة بفن المسرح وحرفياته وأساسياته.
تحبيب الطفل في اللغة العربية: فمسرح الطفل يدرب الطفل على استعمال اللغة العربية في حياته اليومية، ووسيلة لإثراء قاموس الطفل اللغوي وتنمية قدرته على التعبير. كما يعد المسرح وسيلة لعلاج عيوب النطق عند الأطفال وتدريبهم على الحوار واحترام الرأي الآخر، كما يعوّد الطفل فن الإلقاء والنطق السليم والتواصل مع الآخرين.
صفات المسرح الموجهة للأطفال:
أن تكون لغته بسيطة سلسة معبّرة تنفذ إلى ذهن الطفل.
أن يتميز بسهولة الحوار.
أن يتسم بروح الفكاهة.
أن يكون زمن المسرحية مناسبًا لعمر الطفل.
الاهتمام بقصص الحيوانات.
يثري قاموس الطفل اللغوي.
يكسب الطفل قيمًا تربوية وسلوكية.
يوازن بين النص وما يحمله من قيم وأخلاقيات، وبين تجسيده بأسلوب فني يثير انتباه الطفل.
ينبغي الإكثار من الألوان والأزياء المبهجة والمزركشة ذات الألوان الزاهية من دون إبهار مبالغ فيه.
اهتمامه بالمكياج وأدوات التنكر وتقنية الأزياء، والباروكات؛ التي تشترك اشتراكًا قاطعًا في إبراز صورة الحياة في المجتمع.
اهتمامه بالموسيقى والأغاني والمؤثرات الصوتية؛ التي تسهم في تربية وتنمية ذوق ووجدان الطفل، مثل: صوت الرياح، وصهيل الخيل، وأصوات الحيوانات، وطلقات الرصاص التي توظف في مسرح الطفل.
أنواع العرائس:
هناك أنواع مختلفة للعرائس، فمن حيث الحجم: هناك دمى ضخمة ودمى صغيرة، وهناك أيضًا دمى محشوة وأخرى غير محشوة،. ومن حيث الصور: هناك دمى بشرية، ودمى نباتية، ودمى حيوانية، ودمى الجماد، ودمى الخوارق التي تتشكل من الجن والعفاريت وغيرها من الكائنات الميتافيزيقية والمخلوقات الفانتاستيكية، ومن حيث المادة التي تصنع بها العرائس: فهناك العرائس الخيطية، والعرائس الخشبية، والعرائس الورقية، والعرائس الكارتونية، والعرائس البلاستيكية، والعرائس البوليستيرية، والعرائس القطنية، والعرائس الكتانية (عرائس القماش).
وأما من حيث طرائق العرض فهناك:
- دمى الخيوط (الماريونيت): وهي عبارة عن مجسمات صناعية يقوم الفنان بتحريكها من أعلى المسرح عن طريق الخيوط المتصلة بها، ويتم تصميم ملابس الماريونيت بحيث تليق بشخصيتها في القصة، وهذا النوع من العرائس يحتاج إلى تدريب وجهد كبير لتظهر على المسرح وكأنها تجسد شخصية حية، والبطل الأساس في هذه العروض المسرحية هي العرائس وليس الشخصيات البشرية. كما أنها أسلوب ونهج يستخدم فيه المعلم عناصر الدراما التعليمية من حركة وإبداع وإيقاع، ولهذا النوع من المسرح تأثير كبير في الأطفال والكبار، حيث يبهرهم ويدهشهم بقصصه وجمالياته التي تحمل رسائل ترفيهية وتعليمية وتثقيفية رائعة، مثل: أوبريت "الليلة الكبيرة" و"عالم سمسم"- وقد ترك كل منهما أثره في الجميع.
- دمى خيال الظل: وهي دمى مصنوعة من جلود الحيوانات الرقيقة المجففة أو الكرتون، يحركها اللاعبون خلف ستارة بيضاء شفافة يسلط عليها أضواء تطرح خيالها على الستارة، فيراها المتفرجون من الناحية الأخرى ظلالًا متحركة بصورة ساخرة مبسطة، ثم بدأت تلك الدمى تقل، وحل محلها شخصية الأراجوز بقصد التسلية لا التربية.
- دمى العصا: حيث تثبت الدمى على عصا، ويتم تحريكها بواسطة قضبان حديدية أو خشبية حسب العمل المسرحي.
- الدمى القفازية أو الكفوف: التي تحرك بواسطة اليد عن طريق إدخال اليد والأصابع في الدمية، وتطل الدمية إلى المتفرج من فوق رأس محركها الذي يقف خلف حاجز يمنع ظهوره للنظارة، وهي سهلة التحريك ولا تستدعي متطلبات كثيرة ، مثل: مسرح القراقوز- ذلك الفن الجميل الذي اندثر منذ زمن يمكن لنا أن نعيده إلى الوجود بأسلوب معاصر، فمكان العرض بسيط عبارة عن حائط خشبي له جوانب، وهي تمثل شخصيات معروفة ومحببة للأطفال، مثل: (فلفل، نمنم) أبطال عالم سمسم.
- الدمى المائية: يقدم في جزر شرق جنوب آسيا؛ حيث يقام مسرح الدمى في الماء بينما يجلس المشاهدون على الشاطئ يراقبون ألعاب الدمى فوق سطح الماء.
المهمة غير المستحيلة
إذا كانت للمسرح هذه الأهمية في حياة الطفل؛ فإن على الوالدين مهمة عظيمة في استثماره لضمان مستقبل أفضل لأطفالهم، وهي مهمة ليست سهلة، ولكنها في الوقت نفسه ليست مستحيلة؛ فعلى الآباء والأمهات والمربين:
أن يكونوا قدوة للطفل، حيث يميل الطفل إلى تقليد أبيه، وتميل الطفلة إلى تقليد أمها.
مناقشة العمل المسرحي مع الطفل بعد إسدال الستار.
تقديم القيم الإيجابية في النصوص المقدمة للطفل.
الاهتمام بمسرح الطفل؛ لأنه جزء لا يتجزأ من عملية التربية ويشكل بعدًا حضاريًا على المدى البعيد.
تقديم المعلومات للطفل في شكل مسرحية مثيرة وشيقة داخل رياض الأطفال، فذلك ينمي ذاكرته، ويحبب إليه التعليم والدراسة.
الاهتمام بتقديم نص مسرحي شيق وجذاب وممتع للطفل، والاعتماد على الغناء والرقص واستخدام الأضواء المثيرة والديكور.
استخدام المسرح في حل المشكلات الواقعية التي يواجهها الأطفال بالروضة، مثل: عرض مسرحية تنمي قيمة الأمانة وتحذر الأطفال من السرقة وتبين جزاء السارق، وتوضيح كيف يتعامل الطفل مع تلك المواقف.
أن يمزج مسرح الطفل بين الترفيه والتعلم.
القيام بصناعة العرائس (الدمى) يدويًا عن طريق بعض الأقمشة المتوافرة في المنزل، ولا شك في أن مشاركة الأطفال في صنع مثل هذه العرائس يكسبهم المزيد من المهارات الفنية واليدوية، على أن يكون ذلك تحت إشراف الكبار.